شارفت السنة السادسة من عمر الثورة السورية على الانتهاء دون أن تحقق الثورة أهدافها الحقيقية التي تتمحور حول إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد؛ كي ينال الشعب السوري حريته وكرامته المسلوبة بعد ما يزيد على 40 عاماً من الظلم والقهر وحكم العسكر.
إلى الآن لم يتمكن الثوار في سوريا من تحقيق أهداف ثورتهم، بل على العكس تماماً، زادت معاناتهم وزاد تشتتهم، وانحرفت بوصلة ثورتهم.
فقدوا هويتهم السورية في شتى بقاع العالم، خرجت المظاهرات لطردهم، وذنبهم الوحيد أنهم فشلوا في بناء وطنهم، نعم فشلنا في بناء وطننا، فشلنا في حب بعضنا، فشلنا في التوحد لأجل الوصول إلى غايتنا وتحقيق أهداف ثورتنا، فشلنا في بناء وطننا.
بعد 6 سنوات عجاف والسابعة تلوح بالأفق انقسمنا داخلياً وخارجياً، انتشر الحقد والكره بيننا باسم الفصائلية وحب السلطة، أُريقت دماء ثوارنا على أيدي بعضهم بحجج واهية وشعارات براقة، مثل مكافحة الفساد ورد البغي باسم فتاوى دينية!
أكتب الآن وقلبي يعتصر ألماً إلى الحال الذي وصلت إليه ثورتنا من اقتتال داخلي وتخوينٍ خارجي، في ظل بقاء بشار الأسد في الحكم، وكأن الثورة انتصرت وحققت أهدافها، وخلافنا الآن على طبيعة نظام الحكم ما بعد سقوط النظام!
بعد أن نجح ثوار سوريا بالسيطرة على أكثر من 75 بالمائة من مساحة سوريا مع بداية الحراك المسلح سنة 2012 بعد أن فشلت الثورة السلمية، أصبحت الآن المساحة المحررة لا تتجاوز 15 بالمائة مع نهاية عام 2017.
بعد أن استقدم نظام الأسد الروس والإيرانيين وشتى المرتزقة من بقاع العالم لنصرة نظامه الذي كان يقف على شفا حفرة من السقوط.
كان الأَولى بنا كثوّار أن نتوحد، لكن على العكس تماماً، تنازعنا وفشلنا وذهبت ريحنا حتى أصبحت ثورتنا في نظر العالم من ثورة حق وعدل وكرامة وحقوق مسلوبة إلى حرب طائفية، الخاسر الوحيد فيها هم المدنيون العزل.
أصبح التدخل الروسي والأميركي في سوريا يسمى مكافحة الإرهاب بمباركة دولية، بينما صار المظلومون دعاة باطل بعد أن قدموا ما يزيد على 700 ألف شهيد وأكثر من مليون جريح وأكثر من 8 ملايين مهجّر أصبحوا أصحاب باطل!
بعد أن قصفوا بالقنابل الكيميائية والعنقودية والفوسفورية والفراغية، بعد أن دُمرت منازلهم وأريقت دماؤهم وذُبح أبناؤهم أصبحوا دعاة باطل، وصار المجرم بطلاً قومياً مكافحاً للإرهاب في ظل صمت دولي وعربي ظالمٍ بحق السوريين المنكوبين.
تُرى ما هو السبب؟ هل هو ذاته السبب الذي أتكلم عنه في تدوينتي هذه؟ هل حقاً حب السلطة وجمع المال هو مَن حرف بوصلة ثورتنا حتى ضلّ ثوارنا الطريق؟
هل حقاً فقدنا هويتنا السورية التي كانت تميزنا بالحب والكرم والإخاء وحسن الظن وطيبة القلب بسبب طغيان الكره والحقد والطائفية التي نجح نظام الأسد في زرعها في قلوبنا عبر حلفائه الإقليميين في المنطقة؟
لا لن ينتصر الأسد، فقد أقسم السوريون مع انطلاق ثورتهم على المضي في درب الكفاح والصمود حتى تحقيق الهدف، الهدف الذي ضحى لأجله مئات الآلاف من الثائرين الذين رفعوا شعارات حُفرت في قلوب السوريين، وستبقى محفورة في قلوب الأجيال القادمة، شعارات لن ننساها ما حيينا: "هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه"، "الموت ولا المذلة".
مهما كَثُرت الفتن وانتشر الفساد لا بد أن يستفيق الثوار الأوائل لنصر شعبهم، لا بد أن يعود الحب إلى قلوبنا وتعود طيبة القلب إلى نفوسنا، لأجل مَن ضحى لأجلنا كي ترقد روحه بسلام، بعد أن قدم دماءه رخيصة لأجل كرامة أبنائه، وستبقى هذه الحروف مجرد ذكرى أليمة خلدها التاريخ في كتاب ثورتنا، كتاب مليئة صفحاته بلحظات من الحزن والفرح، لحظات من النصر والهزيمة، لحظات من العزم والوهن، لحظات من النشوة والضعف.
لحظات عشنا معظم تفاصيلها الأليمة بحزن وأمل بغدٍ أفضل وأجمل؛ لأننا نثق بالله أولاً، وعزيمة ثوارنا، وحاشا لله أن ينصر أصحاب الباطل على دعاة الحق.
الثورة تمرض ولا تموت.. الثورة مستمرة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.