في أثناء افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية، ذكر ملك المغرب خلال الخطاب نقطتين جوهرتين؛ تحدث الملك عن الشباب، ودعا إلى إطلاق العنان للشباب في المغرب.
وعلى ما يبدو، فإن مشاكل المغرب ليست في رقعة جغرافية معينة، ولا هي أيضا إشكال ديمغرافي، حتى الشباب والشيوخ والأطفال وكل الأجيال على فوهة البركان، لكن الشباب أكثرهم في عنق الزجاجة. وقد أصاب الملك في استهداف الشباب في خطابه خصوصاً.
مضى الملك، وتحدث عما وصفه بـ"زلزال سياسي" قد يعصف بـ"المشهد السياسي"، وما حدث هو إعفاء عدد من الوزراء وكبار المسؤولين؛ لإخفاقهم في تحسين الوضع الاقتصادي بمنطقة الريف التي شهدت احتجاجات كبيرة نهاية العام الماضي.
في المغرب، تبدو الطبقة السياسية بحاجة إلى شيء اسمه "هندسة سياسية" أكثر من "زلازل"، تُحرك نحو الهدم وكثير من التجديف في مكان واحد دون المضي قدماً نحو الأمام.
لديّ اعتقاد راسخ بأن أي بلد لا يمكنه أن ينهضَ ويمضِي دون تخطيط سياسي، ولا يمكن لـ"السوق الحُرّة السياسية" أن تنتج مجتمعاً سياسياً قوياً أو ناجحاً.
وإذا كان من بين العلوم السياسية علم الاجتماع السياسي، وعلم الاقتصاد السياسي، وعلم النفس السياسي، وهي علوم تجمع بين أكثر من علم في علمٍ جديد- فإنني أتصور أن هناك علماً جديداً ينبغى له أن يتأسس باسم "علم الهندسة السياسية". إن الولايات المتحدة الأميركية -الناطقة باسم الديمقراطية العالمية- هي إمبراطورية عظمى نِتاج هذه الهندسة السياسية وليس السوق السياسية الحُرّة.
يحتاج المغرب إلى "الهندسة السياسية، وأول معارك الهندسة السياسية في المغرب تعديل الدستور إلى دستور برلماني، وثاني المعارك تأسيس حزبين مدنيَّين كبيرَين؛ أحدهما يمين وسط والثاني يسار وسط.. ذلك أن التحالفات الانتخابية الخارجية لا مستقبل لها، وهي تحالفات سوف تنتهي بنهاية الانتخابات، ولا وجود لها على الإطلاق في الانتخابات القادمة.
تحالف الجهل والفساد لا يزال قادراً على إرباك المشهد، وتدمير القوة الناعمة، وإنهاك الدولة والمجتمع في تفاهات، تجري صناعتها، ووضع إطارها بكفاءة وعناية.
على نحوٍ أدق، المشكلة خصوصاً ليست في أشخاص معينيين ولا هم وزراء جرى وضعهم هناك "بعناية" لقضاء أغراض في أوقات "معينة" ولأهداف "محيّنة". مشكلة المغرب هي "العملاء". والإشكال الأكبر أن هؤلاء يحرصون على مناصب مسؤولة، تجدهم في مواقع كبيرة وسط الدولة، وأخرون يعشعشون في العمود الفقري للدولة.
"العملاء الأكثر خطورة" في المغرب هم الذين يمنعون الأذكياء في بلادنا من الوصول إلى أماكنهم، وهم الذين يطردون العملة الجيدة لأجل العملة الرديئة.
"العملاء الحقيقيون" هم من يؤجلون عمل اليوم إلى غدٍ لا يجيء، وهم من يضعون العراقيل في كل طريق، وهم من يريدون لنا "الجري في المكان" دون خطوة واحدة باتجاه الأفضل.
قولاً واحداً: الجاهل إذا تولى منصباً فهو فاسد، وحتى لو لم يسرق ولم ينهب؛ ذلك أن خسائر الجهل تفوق خسائر الفساد.
لا تهوِي الأوطان على نحو مفاجئ؛ بل هناك من يقومون بالتجريف المستمر حتى يقع الانهيار.