يقول القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني غياث السورجي السبت، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2017: إن هنالك ترجيحات بإدارة المناطق المتنازع عليها بشكل مشترك بين بغداد وأربيل.
وتأتي تلك الترجيحات خلال اجتماع لرئيس أركان الجيش عثمان الغانمي ورئيس الوفد الكردي بقيادة سيروان بارزاني، ابن أخ مسعود بارزاني.
ومنذ يوم الجمعة 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولحد هذه اللحظة، ما زال القتال متوقفاً بين الجيش العراقي والبيشمركة.. بعد أوامر العبادي الأخيرة بإيقافه 24 ساعة لغرض فسح المجال لفريق فني مشترك للتفاوض.
صحيح أن نسبة عالية من الرأي العام والموقف السياسي بشكل كبير، في العراق، يرغب بالحوار والتهدئة بعيداً عن أي قتال مشترك بين الأطراف العراقية والكردية، وإبعاد المشهد عن مقاتلة داعش.
لكن السؤال الأهم: كيف يمكن إدارة تلك المناطق المتنازع عليها؟ بينما لا يزال بارزاني وعائلته يتحكمون بتلك المناطق، وأيضاً بيشمركة الحزب الديمقراطي وقوات النخبة، "الزيرفاني"، تم تعبئتهم منذ سنوات ضد الحكومة العراقية والجيش، وليس لديهم أي احترام للعراق وهو واضح في سلوكهم وفي المواقف الأخيرة في كركوك والتون كوبري وفي فيشخابور، وما حصل من اشتباكات يعكس تماماً الروح الانتقامية لدى هؤلاء، الذين يميلون بولاء أعمى لبارزاني.
كيف يمكن ضمان إدارة مشتركة، دون أن يتلاعب "الأسايش" وغيرهم من أجهزة أمن بارزاني الخاص بتلك المناطق ومحاولة إثارة الأزمات والمشاكل، ليظهروا الضعف الحكومي ومحاولة السيطرة عليها بشكل كامل، كما حصل في مناطق كثيرة منذ 2003 و2014، في كركوك وديالى والموصل؟
كيف يمكن إدارة تلك المناطق ولا يزال بارزاني في السلطة؟ وهو ما دفع الأوضاع في الإقليم والعراق في أن تصل إلى هذه المرحلة، وصولاً إلى الاستفتاء، على الرغم من أن حزبه والأحزاب الكردية تمتلك نفوذاً ومصالح هائلة في بغداد.
الرجل لا يمزح فهو قادر على صناعة أي أزمة وفي أي مكان، وبالتالي ستعاني الحكومة كثيراً في إدارة تلك المناطق المشتركة دون أن تفرض شروطاً قاسية على الأكراد، بهدف عدم تحويل تلك المناطق إلى مشروع ابتزاز واستهداف وفرض أمر واقع، وهو ما يجيده بارزاني.
الأدلة كثيرة على ما فعله بارزاني من قضمه للأرض بعد ظهور داعش في 2014 وتجريفه لقرى عربية بهدف، "تكريدها"، وتحويلها إلى أراضٍ تابعة لكردستان، وهو ما قالها في تصريحه الشهير: "الحدود ترسم بالدم".
الشراكة تعني أنه لا طرف متفوق على الآخر في الظرف الطبيعي، لكن مع بارزاني يجب أن تعاد الحسابات وأن توضع استثناءات كثيرة، وبالتأكيد ألا يشتمل الموضوع على حرمان الأكراد "المواطنين" من حقوقهم، شريطة ألا تذهب تلك الحقوق إلى جيوب بارزاني وعائلته الذين تكرشوا كثيراً بعدم صرف رواتب موظفي الإقليم وتهريب النفط والمخدرات والآثار وفق ما أكدته مصادر أمنية مطلعة الجمعة 27 أكتوبر/تشرين الأول 2017، ونشرته وسائل إعلام عراقية كثيرة.
يدفعنا مفهوم الشراكة مع بارزاني بإدارة مناطق متنازع عليها، الحسابات في كل شيء، فهو في زمن ليس بقليل، قال إن "الشراكة مع بغداد انتهت"، حينما كان يعتقد أنه في موقف قوة قبيل الاستفتاء، قبل أن ينقلب عليه شركاؤه الأكراد بعد عناده الطويل وعدم سماعه للنداءات الدولية والأممية، لكن جلسة التفاوض الأخيرة تعكس أن أوراقه قد احترقت جميعها، بعد ما دفع الأكراد إلى الهاوية.
ومن جهة أخرى، هذا لا يدفعنا إلى القول بأن الحكومة العراقية يديرها ملائكة، فالحال ينطبق هنا في بغداد أيضاً، هنا أطراف ترمي الحطب وتشعل النار وتثير الفتنة، وتسعى لأن تكون هنالك حرب من أجل الثأر من بارزاني والأكراد بشكل عام بكل الاحتمالات، وهو ما يضع العبادي في مواقف لن تكون سهلة، وهو ما يتطلب منه أن يقف في المنتصف.
الحوار والنقاش مع الأكراد عقيم جداً، لكنه يستحق المحاولة، ففي السنوات الطويلة التي مضت لم تنجح الأطراف السياسية العراقية والكردية في أن تضع خارطة طريق وحلاً نهائياً للمناطق المتنازع عليها، قبل أن تتغير "ديموغرافياً" وتقتل ظاهرة التنوع الإثني والقومي والديني في تلك المدن.
مضت الأيام والسنوات، ووصلنا لطريق مغلق، الحل: يكمن بدرجة أولى في تنحية بارزاني وعائلته من المشهد السياسي الكردي تماماً، وأن يكون الحديث مع أطراف ناضجة تعرف كيف تدير الحوار، وأن تحافظ كل الأطراف على حقوقها بالشكل المطلوب، حتى لو تطلب بذلك تغيير فقرات الدستور، لكن في الأخير، يجب أن تكون هناك سيادة حقيقية للحكومة المركزية على تلك المناطق، من أجل فرض هيبتها وسلطتها بشكل قوي، حتى لا تظهر أي زعامات تسعى للتفرد أو الديكتاتورية مثلما فعلها صاحبنا بارزاني.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.