عندما سألني صديقي عن معنى الوطن، لم يكن يخفى عليه وجهة نظري من الأمر، وهو ذاك المبدع المصري المثقف، والصديق المُقرب والمُطلع على دواخلي.
يعلم صديقي، ككل المحيطين بي، أنني أكفر باعتبار الوطن تلك البقعة الجغرافية التي وُجدنا بها صدفة، وعن دون سابق رغبة أو تصور أو تصميم.
كنتُ -وما زلتُ- أرى أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، لا مكاني، لا جغرافي. فالإنسان ينزع دوماً لطلب الراحة والرفاهية ومحاولة بلوغ الأفضل؛ ومن ثم الكمال.
من هنا، نرى أن الإنسان لطالما فضل أحاسيسه على أماكن وجوده، ولطالما كانت الراحة مطلبه وسكنه ومبتغاه.
نعلم أن الإنسان يتميز بذاكرة متكيفة قد تطورت واكتست خاصية الحذف التلقائي لما ترى أنه غير مهم، وأحياناً ما ترى أنه مؤلم وغير مُستحَب تذكُره مرة أخرى، من قصص أو هزات أو مواقف مُحرجة أو صادمة، وما إلى هنالك، وهذا ما يتجسد ببعض الأمراض النفسية، حيث يميل المريض إلى تناسي أمر مفجع قد حصل ويرفض هو تقبّل ذلك.
من هنا، فإنساننا يتذكر كل ما يسعده، من مكان وزمان وتفاصيل وحتى أصوات ورائحة، ويطرد من ذاكرته كل ما يكدّره ويهينه أو يُشعره بنقصه وعجزه، سواء إن كان شخصاً أو مكاناً أو حدثاً معيناً.
من هنا، يمكنني أن أحكم دون مزايدة أو تلاعب بالكلام، أن وطني هو المكان الذي يحترمني ويُقدرني ويوفر لي أسباب حياة آدمية أستحقها.
الآن، يبدو لنا واضحاً جواب ذلك السؤال الذي لطالما أرَّقنا، ولطالما سال الحبر حوله، ولطالما اختلفنا وتخالفنا من أجله.
كنا نتهيب، وربما حتى الآن، أن نُسأل عن سبب تفضيل العرب عاطفة الدين وتغليبها على الحس والانتماء الوطني.
ولكن، إن صح ما استهللتُ به مقالي، نرى أن مواطننا العربي المسحوق من كل الجهات، والمضطهد من كل السلطات، والمحروم من كل المميزات، يصعب عليه تكوين عاطفة سامية ما، مع تلك البقعة الجغرافية التي تتعاون مع كل الظروف حتى الظروف التاريخية والمناخية على قهره وسحله وتجريده من أبسط حقوقه.
ومن الطبيعي، مُسايرةً لتوجه الإنسان التلقائي نحو المنفعية، أن يُحل مواطننا نفسه من أي تلتزام بهذه الرقعة الجغرافية، قد يُرتب عليه خسائر أكثر مما قد خسره بوجوده بالصدفة في موقعه الجغرافي الحالي.
هي اللذة، كما حدد أبيقور، محدد السلوك البشري، فالإنسان يعيش ليزيد من سعادته، كما أن جيرمي بنتام أكد أن السلوك البشري محكوم بزيادة السعادة، ولم يخرج هربرت سبنسر عن ذلك حين قال إن سعادة الإنسان تتحقق حين يستطيع أن يحقق هدفه الشخصي.
السؤال هنا أطرحه على كل من سينكر هذا ويجعجع بشعارات الوطن، الذي لا يحتاج من يربط محبته بمنفعة ما:
هل يستطيع أي مواطن عربي تحقيق حلمه هنا؟ أياً كان هذا الحلم بسيطاً؟ هل يستطيع، بعيداً عن دروشة المتدروشين، تحقيق سعادته؟ هل فعلاً يجد الانسان العربي مساعدة ما لتحقيق سعادته من وطنه؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.