هدنة خفض التوتر السورية وما تحمله من قرارات دولية

الشيء الأكيد الذي بات يعرفه السوريون جيداً بأن لهدنة خفض التوتر المعلنة في أستانة تفاصيل كثيرة غُيبت عنهم سأحاول شرح بعضها في هذه التدوينة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/28 الساعة 05:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/28 الساعة 05:05 بتوقيت غرينتش

الشيء الأكيد الذي بات يعرفه السوريون جيداً بأن لهدنة خفض التوتر المعلنة في أستانة تفاصيل كثيرة غُيبت عنهم سأحاول شرح بعضها في هذه التدوينة.

– تعريف هدنة خفض التوتر

بدأت تركيا العمل قبل عدة أشهر بالاتفاق مع الروس والإيرانيين على إنشاء جلسات حوارية بين المعارضة السورية المسلحة ونظام بشار الأسد، بهدف الوصول إلى قرارات حقيقية من شأنها إنهاء القتال بين الأطراف المتنازعة في سوريا.

المعارضة كانت متمسكة بقرار رحيل بشار الأسد عن السلطة وإحالة نظامه لمحكمة الجنايات الدولية؛ لينالوا جزاءهم عن الجرائم التي ارتكبوها بحق المدنيين الأبرياء.

بينما وفد النظام أصرّ على بقاء بشار الأسد في الحكم معتبراً أن جيشه يخوض حرباً ضد الإرهاب بدعم من روسيا وإيران؛ لذلك اتفق الجميع على تفعيل هدنة مؤقتة من شأنها التقليل من حجم المأساة السورية.

– أهداف الدول الضامنة للهدنة

بدأ الجيش التركي قبل عدة أيام انتشاره في المناطق الشمالية من سوريا والقريبة من الحدود التركية، وذلك وفقاً لمخرجات مؤتمر أستانة الأخير الذي أُقيم في العاصمة الكازاخية قبل نحو شهر من الآن.

والذي يتضمن انتشار قوات تركية في المناطق المحررة وقوات روسية في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام بشار الأسد، بهدف مراقبة هدنة خفض التوتر التي تعتبر كل من تركيا وروسيا وإيران أبرز الضامنين لها.

– الضامن الروسي

أبدت قوات النظام ومن خلفها روسيا خلال الستة أشهر الأولى من الهدنة التزاماً جدياً بحسب مراقبين للشأن السوري في بعض المناطق، بينما كانت تتعرض مناطق أخرى من إدلب وريف دمشق وحماة لقصف جوي ومدفعي مكثف، مما دفع فصائل المعارضة السورية المسلحة إلى البدء في عمل عسكري ضخم يهدف إلى تحرير المناطق الشمالية من محافظة حماة، رداً على خروقات النظام السوري للهدنة، مما أعاد جميع الأطراف المتنازعة إلى طاولة الحوار من جديد، والاتفاق على هدنة جديدة أكثر شمولية عمودها الفقري انتشار القوات التركية في إدلب.

شملت هدنة خفض التوتر الجديدة التي تم التوافق عليها كلاً من محافظة حلب وأرياف حماة وحمص وريف دمشق؛ ليضاف إليها لاحقاً محافظة إدلب في حين تم استثناء بعض أحياء العاصمة السورية دمشق، التي تحاول القوات السورية ومن خلفها الروسية بشتى الوسائل السيطرة عليها بهدف تأمين محيط العاصمة دمشق.

الأحياء الدمشقية التي رفضت روسيا ضمّها للهدنة مثل أحياء جوبر وعين ترما اللذين يشهدان بشكل مستمر محاولات عدة للسيطرة عليهما معظمها باءت بالفشل، حيث يخضعان لسيطرة فصيل فيلق الرحمن وهو أحد مكونات الجيش السوري الحر، وبالتالي تفنيد الرواية الروسية التي تقول: إن الهدنة لا تشمل المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعات المتشددة مثل تنظيم الدولة الإسلامية مثل المناطق الشرقية من سوريا، والتي تشهد معارك عنيفة جداً بين مقاتلي التنظيم من جهة والميليشيات الكردية وقوات النظام من جهة أخرى، أفضت إلى سيطرة الميليشيات الكردية على محافظة الرقة بدعم مدفعي جوي من طيران التحالف، الذي نفذ آلاف الغارات الجوية على المناطق السكنية في الرقة ودير الزور، أسفرت عن مقتل وإصابة وتهجير آلاف المدنيين الأبرياء، وارتكاب المجازر بحقهم، وتشريد معظم سكان الرقة ودير الزور وحصار القسم المتبقي منها في الصحراء السورية.

– أهداف الدخول التركي إلى إدلب

تسعى تركيا بالدرجة الأولى إلى حماية حدودها الشمالية مع سوريا من خطر الميليشيات الكردية الانفصالية، التي تسعى إلى تشكيل إقليم خاص بها على غرار إقليم كردستان العراق تحت مسمى "روج آفا" الذي أُعلن عنه فعلياً شمال سوريا ويضم أجزاء من الحسكة وحلب والرقة، ويحكم بواسطة الإدارة الذاتية الكردية.

لذلك تخشى تركيا من تمدد الأكراد إلى محافظة إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، وهي مزيج من فصائل المعارضة السورية المسلحة التي اندمجت فيما بينها، وتشكل جبهة فتح الشام "النصرة سابقاً" السواد الأعظم من مقاتليها، ويقاسم السيطرة على إدلب عدة فصائل عسكرية من الجيش السوري الحر، أبرزها فيلق الشام، وجيش إدلب الحر.

الخوف التركي يأتي من دعم الولايات المتحدة الأميركية للأكراد في معارك إدلب تحت شعار مكافحة الإرهاب، والذي سيزيد من النفوذ الكردي شمال سوريا، مما سيدفع أكراد سوريا إلى البدء في بناء نواة دولة كردية تشمل أراضي واسعة ممتدة بين العراق وسوريا، الأمر الذي تعارضه أنقرة بشدة خوفاً من رغبة أكراد تركيا بالانضمام لهذه الدولة.

– آلية انتشار القوات الروسية والتركية في سوريا

صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل عدة أيام بأن الجيش التركي عازم على دخول محافظة إدلب تنفيذاً لمخرجات مؤتمر أستانة التي تنص على مراقبة هدنة خفض التوتر عبر وحدات عسكرية من الجيش التركي في المناطق المحررة شمال سوريا، وقوات روسية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام، وبالفعل الشرطة العسكرية الروسية منتشرة في حلب وحماة واللاذقية والعديد من المناطق الأخرى، بينما اكتفى الجيش التركي بالانتشار على طول خطوط الاشتباك مع الأحزاب الكردية في حلب وإدلب، فهل تسعى تركيا إلى حماية المدنيين في إدلب من الغارات الجوية عبر نشر قواتها فيها، أما أنها تخشى خطر التمدد الكردي فيها؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد