كركوك.. والذاكرة العراقية

للقارئ الكريم أقول: إن إقليم كردستان العراق يتمتع بحكم ذاتي داخل العراق حتى في عهد الراحل صدام حسين، وفي عام 1991 انتفض الأكراد بوجه الحكومة العراقية، واستولوا على المدن الرئيسية بما فيها كركوك، وأصبحت منطقة كردستان العراق مستقلة بحكم الأمر الواقع.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/27 الساعة 04:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/27 الساعة 04:14 بتوقيت غرينتش

قبل أيام شاهدت مقطعاً مسجلاً يعود إلى عام 2003 للراحل طارق عزيز وزير الخارجية العراقي في عهد الرئيس الأسبق صدام حسين، تحدث قائلاًً "إذا ضعفت سلطة الدولة العراقية المركزية ستقوم دولة كردية"، والحقيقة كلام الراحل طارق عزيز فيه الكثير من الواقعية، لكن ليس في ظل وجود دول قوية تحيط الإقليم كإيران وتركيا.

للقارئ الكريم أقول: إن إقليم كردستان العراق يتمتع بحكم ذاتي داخل العراق حتى في عهد الراحل صدام حسين، وفي عام 1991 انتفض الأكراد بوجه الحكومة العراقية، واستولوا على المدن الرئيسية بما فيها كركوك، وأصبحت منطقة كردستان العراق مستقلة بحكم الأمر الواقع.

على مر تلك العقود دأبت حكومة كردستان، متمثلة بمسعود بارزاني، بوضع أحجار عثرة أمام كل المساعي الدولية لتوحيد الصفوف، رغم تمتع الأكراد بامتيازات وحقوق لم يحلموا بها، من تقاسم السلطة وتوزيع المكاسب، على العكس من غيرهم أي الأكراد في الدول المجاورة، فاستولى الأكراد على نفط كركوك وتسلّطوا على سكان المدينة بقوة البيشمركة الكردية، وتفريغ منطقة كركوك "الغنية بالنفط" من سكانها العرب والتركمان.

وباشرت حكومة الإقليم بتغيير ديموغرافي وصل إلى حد إجبار النساء الكرديات الحوامل من محافظات دهوك والسليمانية بتوليد وتسجيل مكان ولادة أبنائهن وبناتهن في محافظة كركوك العراقية.

لقد برهنت الأيام على أن الشريك الكردي "مسعود بارزاني" متذبذب في قراراته في ظل العراق الجديد، تارةً يساند الحكومة العراقية وتارةً ينقلب عليها، مرة يسعى للاستفتاء والانفصال، ومرة لإقامة الحوار والتهدئة مع بغداد مقدماً مصلحته الشخصية على حساب مصلحة الأكراد، فليس من مصلحة إقليم كردستان إقامة دولة كردية في وجود جيران مثل إيران وتركيا
والعراق وسوريا؛ لأنهم يعرفون جيداً أن كل الفرص ستُغلق أمامهم كالسد المنيع.

ما حدث قبل أيام من دخول القوات العراقية إلى محافظة كركوك هي صفقة حكومية كردية بامتياز، تلك الصفقة وقد أجازف بالقول هنا إنها قد تفضي إلى تعيين "بافل" نجل الراحل
جلال طالباني والرجل القادم بقوة على الساحة الكردية رئيساً لإقليم كردستان، ما يعني إنهاء أو شل حركة مسعود بارزاني في شمال العراق.

الأجواء مشحونة في شمال العراق، وأقول للذين بالغوا في التفاؤل يجب عليهم الآن التحلي بالهدوء والبحث عن حلول، وعدم مضيعة الوقت في معالجة الملف الأكثر تعقيداً بين العرب وأكراد العراق.

وعلى العقلاء في الحكومة العراقية والجيش العراقي والقوات المشاركة لملمة تداعيات الانكسار الكردي في كركوك، والإسراع بعودة النازحين الأكراد إلى المحافظة، ودعوة المواطنين إلى أن يعيشوا حياة طبيعية بالطرق السلمية، بعيداً عن القضايا الخلافية بينهم؛ لكي لا تتفاقم الأوضاع داخل المحافظة العراقية.

كذلك يجب على الأكراد التحلي بالحكمة والرجوع إلى الشريك الحقيقي في داخل الوطن الأكبر، ونسيان الاستقلال والقتال الذي قد يصيبهم بفشل مؤلم، فربما تكون كركوك هي بداية التئام طرفي الحوار في العراق، ولعلها الفرصة الأخيرة لإنقاذ شمال العراق، وللذاكرة العراقية التي تأبى أن تنسى الحنين لعراق واحد، وتفتقد للعيش كسالف عهده.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد