إيران: الحرس الثوري أهم من الاتفاق النووي

هكذا تتضح الرؤية بوضوح؛ فالحرس الثوري أهم لإيران من الاتفاق النووي؛ وأية إجراءات ضد الحرس الثوري معناه إجراءات ضد النظام الإيراني والجمهورية الإيرانية وإيران كبلد نفسها، وستؤثر جذرياً في إيران داخلياً وخارجياً.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/25 الساعة 07:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/25 الساعة 07:37 بتوقيت غرينتش

في يوم الثلاثاء 19 سبتمبر/أيلول 2017م وقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال اجتماعات الدورة الـ72 للجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤكداً في كلمته أن بلاده لا تستطيع أن تلتزم بالاتفاق النووي مع إيران؛ لأن ذلك قد "يمنح طهران في النهاية ستاراً لامتلاك الأسلحة النووية"، حسب قوله.

وبعدها بشهر، وتحديداً يوم الجمعة 13 أكتوبر/تشرين الأول 2017م أعلن ترامب رفضه الإقرار بأن إيران التزمت بالاتفاق النووي الذي وُقِّع عام 2015م، واصفاً إياها بأنها "نظام متطرف"، مبيناً أنه سيُحيل الأمر إلى الكونغرس، ويستشير حلفاء الولايات المتحدة في كيفية تعديله، كما اتهم ترامب إيران بدعم "الإرهاب"، وشدد على أنه سيغلق "جميع الطرق على طهران للحصول على السلاح النووي".

وفي اليوم نفسه، وبالتزامن مع إعلان ترامب لاستراتيجيته الجديدة تجاه إيران والاتفاق النووي الإيراني، أكد مصدر مسؤول بإدارة الرئيس الأميركي أن إدارة ترامب صنفت الحرس الثوري الإيراني كـ"منظمة إرهابية"، وأوضح المصدر أن إدارة ترامب فعلت ذلك باستخدام صلاحيات وزارة الخزانة الأميركية وليس عبر صلاحيات وزارة الخارجية، وهو ما يعني أن الحرس الثوري لم يُصنَّف كـ"منظمة إرهابية أجنبية"، وهو تصنيف قانوني تعتمده وزارة الخارجية ضد الجماعات التي تعتبرها إرهابية مثل "تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)" و"تنظيم القاعدة"، ولكن ما جرى هو تصنيف الحرس الثوري كـ"منظمة إرهابية" من قِبل وزارة الخزانة.

وقد اختلفت تقديرات المحللين السياسيين لهذه العقوبات الجديدة؛ فاعتبرها بعضهم أنها تعادل تصنيف التنظيم منظمة إرهابية دولية، فيما قلل آخرون من شأنها.

ويشار هنا إلى أنه بالرغم من أن الخزانة الأميركية أقرت خلال السنوات الماضية عقوبات استهدفت شركات ومؤسسات تابعة للحرس الثوري الإيراني بتهمة القيام بنشاط إرهابي ودعم المنظمات المدرجة على قائمة الإرهاب الأميركية، إلا أنها المرة الأولى التي يُطرح فيها اقتراح تصنيفه منظمة إرهابية.

هذا الإعلان الأميركي بتصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية ووجه بردٍّ إيراني عنيف ومتعدد المصادر، وكان التركيز الإيراني بشكل واضح على فكرة تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، وهذا التركيز كان أكبر بكثير من تركيز إيران على التزام الولايات المتحدة بالاتفاق النووي؛ لدرجة أن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، هدد أميركا، يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول 2017م، أي قبل التصريح الأميركي وإنما بعدما رشح عن نية ترامب في تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، وذلك كجزء من استراتيجية أميركية شاملة ضد إيران لوضع حد لتمددها ونشرها ودعمها للإرهاب في المنطقة والعالم وفق ما كشفته "فايننشال تايمز"، هدد ظريف ترامب بالرد إذا ما قامت بإدراج الحرس الثوري على قائمة الإرهاب، معتبراً الأمر بأنه سيكون "خطأ استراتيجياً"، على حد تعبيره.

وقال ظريف في تصريحات لوكالة أنباء الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، عقب اجتماع مشترك بين الحكومة الإيرانية والحرس الثوري: "هناك إجراءات ستتخذها إيران في حينها".

ثم في يوم السبت 25 فبراير/شباط 2017م، وبعد التصريح الأميركي، ردَّ ظريف مرة أخرى على احتمال تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية من قِبل الولايات المتحدة الأميركية، رافضاً الأمر جملة وتفصيلاً، واعتبر أن حصوله لن يصب لمصلحة واشنطن، واصفاً قوات الحرس بـ"العناصر الغيورة والشجاعة"، على حد تعبيره، وأوضح ظريف، في تصريحه الذي نقلته المواقع الإيرانية الرسمية، أن "الكل في العالم يدركون أهمية الحرس الثوري، ودوره في مساعدة ودعم الدول الجارة لمواجهة الإرهاب الذي يهدد المنطقة برمتها".

فيما كان رد اللواء محمد باقري رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية أكثر عنفاً؛ حيث هدد باستهداف القواعد والقوات الأميركية المتواجدة في المنطقة إذا ما أدرجت الولايات المتحدة الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، موضحاً وجود تنسيق جيد مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف؛ بيد أنه أكد أن "مواقف ظريف لها جوانب مختلفة أمنية ودفاعية، غير أنها تختلف في نوعية اللهجة والتعبير"، مضيفاً أن "التعبير الدبلوماسي يختلف عن التعبير الدفاعي؛ إلا أن الفحوى والتوجه واحد".

كما أوضح رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني، علاء الدين بروجردي، ردّاً على بحث إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب الأميركية، أن إيران لن تسمح للولايات المتحدة الأميركية بتجاوز الخطوط الحمراء، وأنها لم تتمكن من تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها إيران لها في المنطقة.

أما الطرف المعني، وهو الحرس الثوري الإيراني، أو حرس الثورة الإسلامية، فقد أكد، في بيان صدر عنه الخميس 19 أكتوبر/تشرين الأول 2017م مواصلته مقارعة نظام الهيمنة والصهيونية بلا هوادة، وتطوير القدرة الصاروخية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

واعتبر بيان الحرس الثوري أن المواقف العدائية للرئيس الأميركي المتهور والأحمق بالإساءة إلى الشعب الإيراني، وفرض إجراءات جديدة جائرة ضد الحرس الثوري، تكشف فشل السياسات الشريرة التي ينتهجها حكام البيت الأبيض والكيان الصهيوني بغية تغيير خارطة المنطقة، وتقسيم الدول الإسلامية وإضعافها، وانزعاجهما من دور الحرس الثوري المؤثر في هذا المجال.

وأكد الحرس الثوري أنه بعون الله سيتواصل وبوتيرة أسرع وبدون توقف النفوذ الإقليمي والاقتدار وتطوير القدرة الصاروخية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بالرغم من ظروف الحظر الكامل، رغم أنف الأعداء وخاصة أميركا والصهيونية الدولية الخبيثة، وفق البيان.
فيما أوضح أمير علي حاجي زادة قائد "القوات الجو- فضائية" للحرس الثوري قائلاً: "لن نتوقف عن إنتاج الصواریخ حتى إذا أحاطوا البلاد من جمیع الجهات"، مشیراً إلى أن العداء الأميركي قضیة استراتیجیة لا تتغیر، وأن واشنطن لا تحاول الانسحاب من الاتفاق النووي؛ بل إن الاستراتيجية تهدف إلى الحفاظ على شكل الاتفاق النووي وإفراغه من مضمونه، وأكد قائد "القوات الجو- فضائیة" المسؤولة عن تطویر البرنامج الصاروخي، أن الحرس بوصفه مدافعاً عن الشعب الإیراني لن یُخدع من قبل الأعداء، وسیعزز من قدراته یوماً بعد يوم.

وهنا يأتي التساؤل: لماذا كان هذا الرد العنيف والمتعدد المصادر ضد "الحرس الثوري"، وهو الذي فاق بمراحل الرد الإيراني تجاه الاتفاق النووي؟

للإجابة عن هذا السؤال نحتاج إلى مقدمات تعريفية لكل من: الحرس الثوري – الاتفاق النووي، ثم سنتطرق لموقف الحرس الثوري من الاتفاق، ثم نبين معنى إدراج الحرس الثوري في قائمة الإرهاب؛ وأسباب تراجع ترامب عن ذلك حتى الآن؛ ليتبين لنا نهاية سبب ردة الفعل الإيرانية الكبيرة والعنيفة رفضاً لهذا الإدراج:

ما "الحرس الثوري الإيراني"؟
تحدث كثيرون عن الحرس الثوري الإيراني، وسأكتفي هنا بتعريف موجز وأرفق في آخره بعض المصادر التي يمكن الرجوع لها في التعريف بالحرس الثوري:
– تأسس "الحرس الثوري" أو "حرس الثورة الإسلامية" أو "حرس الباسداران" و"بالفارسية: سپاه پاسداران انقلاب إسلامي"، في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م، بقيادة الإمام الخميني؛ وذلك بهدف حماية النظام الإسلامي الناشئ في البلاد، وخلق نوع من توازن القوى مع القوات المسلحة النظامية التي كانت في معظمها لا تزال تدين لنظام الشاه الذي أسقطته ثورة الخميني.

– يقود الحرس الثوري الآن اللواء محمد علي جعفري.
– منذ ذلك الحين، أصبح الحرس الثوري قوة عسكرية، وسياسية، واقتصادية كبيرة في البلاد، للثورة الإسلامية، ويتمتع بصلة وثيقة مع العديد من الشخصيات المؤثرة، أبرزها الرئيس السابق أحمدي نجاد، الذي كان نفسه عضواً في الحرس الثوري، كما يشغل عدد من عناصره مناصب وزارية أساسية، ومناصب سياسية رفيعة، كما أنه يعتبر القوة العسكرية المهيمنة في إيران التي تتفوق على الجيش النظامي الإيراني.

– يُعتقد أن الحرس يسيطر على حوالي ثلث الاقتصاد الإيراني.

– ذكرت صحيفة "وورلد نت دايلي" الأميركية أن "الميزانية المخصصة للحرس الثوري الإيراني بلغت 3.3 مليار دولار في عام 2013م، وتضاعفت لتصل إلى 6 مليارات دولار عام 2015م، ثم انخفضت إلى 4.5 مليار دولار في عام 2016م، لكن عادت لترتفع بنسبة 53% لتصل 6.9 مليار عام 2017م".

– في عام 2016م شغلت إيران للسنة الثالثة على التوالي الموقع الأول عالمياً في مؤشر بازل السنوي لمكافحة غسل الأموال؛ إذ حدد المؤشر إيران كأعلى بلد في العالم من ناحية مخاطر غسل الأموال من بين 149 بلداً شملتها الدراسة الاستقصائية المتخصصة في رصد مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ويُعتقد أن الحرس الثوري هو من يدير هذه التجارة.

– يُقدَّر عدد أفراد الحرس الثوري بنحو 125 ألف عنصر كقوات برية وجوية وبحرية.

– يسيطر الحرس كذلك على "قوات التعبئة العامة" أو "قوات تعبئة الفقراء والمستضعفين" المعروفة باسم "الباسيج"، وهي قوات شبه نظامية، ويقدر عددها بـ90 ألف فرد، ويقودها العميد غلامحسين غيب برور.

– ينضوي تحت الحرس الثوري أيضاً "فيلق القدس" وهو وحدة القوات المسؤولة عن العمليات خارج الحدود الإقليمية، ويقدر عدد أفرادها بـ 20 ألف فرد إيراني، يضاف إليها أعداد غير محددة من ميليشيا غير إيرانية كـ"حزب الله" اللبناني، و"كتائب حزب الله" العراقي، و"حزب أنصار الله" اليمني والمعروف باسم "الحوثيين"، و"حركة النجباء" العراقية، و"سرايا الخرساني" العراقية، و"لواء فاطميون" الأفغاني، و"سرايا المختار" البحرينية"، و"سرايا الدفاع الشعبي" السورية، وغيرهم، ويقود "فيلق القدس" اللواء قاسم سليماني.

– يسيطر الحرس الثوري على مفاصل الجمهورية الإيرانية داخلياً وخارجياً؛ إذ تتواجد عناصر من "الباسيج" في كافة المؤسسات والهيئات المدنية في إيران، كما يحتفظ الحرس الثوري بعناصر له في السفارات الإيرانية حول العالم.

– يمتلك الحرس الثوري أنواعاً عدة من الأسلحة تتضمن صواريخ باليستية، ودبابات، ومدفعيات، ومدرعات، وطائرات مقاتلة، وطائرات بدون طيار، ومروحيات، وغواصات، وقوارب، وقسم كبير من الأسلحة التي يمتلكها الحرس الثوري هي صناعة إيرانية محلية الصنع، وبعضها مطورة عن أسلحة روسية وأميركية، كما يمتلك الحرس سلطة الإشراف على أسلحة إيران الاستراتيجية.

ملاحظات على "الحرس الثوري

– بالنظر إلى شعار "الحرس الثوري" نكتشف أنه لم يكن يوماً مقتصراً على إيران؛ وإنما كان مقصوداً انتشاره حول العالم منذ تكوينه؛ فالسلاح والآية تغطيان الكرة الأرضية، وليس خريطة إيران فقط.

– يعتبر اللواء قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس"، الحاكم الفعلي للعراق، وقد برز دوره في العراق إلى الحد الذي لفت الأنظار کثيراً وتكونت حوله تحفظات عربية ودولية مما اضطر رئيس الوزراء العراقي ووزير خارجيته إلى القول بأنه يعمل مستشاراً لدى الحکومة العراقية، رغم أنه لا يوجد في العالم کله مستشار يمكنه أن يمارس دوراً ونشاطاً وتحرکاً غير تقليدي ولا محدود کما هو الحال مع قاسم سليماني في العراق.

– نلاحظ انتشار قوات "فيلق القدس" لدرجة أن تواترت معلومات عن تواجدها في أميركا اللاتينية.
– كان لقوات "الباسيج" دور رئيسي في إخماد ثورة 2009م في إيران، والتي عرفت باسم "الثورة الخضراء"، وكانت عبارة عن احتجاجات قطاع كبير من الشعب الإيراني على النظام الحاكم بعد اتهامه الحكومة بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي جرت في يونيو/حزيران 2009م والتي أدت إلى فوز أحمدي نجاد (عضو الحرس الثوري) على الإصلاحي مير حسين موسوي.

– مما سبق يتضح أن الحرس الثوري يعتبر دولة داخل دول، ومداه المراد له يتعدى حفظ الدولة الإيرانية؛ ليكون اليد الطولى التي تحقق من خلالها الجمهورية الإسلامية آمال امبراطوريتها العظمى أو "البدر الشيعي"، وليس "الهلال الشيعي"، كما أطلق عليه قيس الخزعلي زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" في العراق.

ولتفاصيل أكثر حول الحرس الثوري الإيراني يمكن الرجوع للتالي:
– كتاب: الحرس الثوري الإيراني.. نشأته وتكوينه ودوره- تأليف: كينيث كاتزمان.
رابط تحميل الكتاب:

– رابط موقع بي بي سي:

– رابط ويكيبيديا:

ما بنود الاتفاق النووي؟
في 2 أبريل/نيسان عام 2015م في مدينة لوزان السويسرية عقدت مجموعة الدول الست (5+1) وهي: (أميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين + ألمانيا) اجتماعات مع إيران، ووقَّعت في منتصف يوليو/تموز التالي اتفاقاً نووياً جرى من خلاله الاتفاق على تقييد البرنامج النووي الإيراني على المدى الطويل مع وضع حد لتخصيب اليورانيوم لا يتجاوز عتبة 3.67 في المائة، وتحويل مفاعل فوردو، وهو المنشأة الرئيسية لتخصيب اليورانيوم، إلى مركز لأبحاث الفيزياء والتكنولوجيا النووية، وكذلك خفض عدد أجهزة الطرد المركزي بمقدار الثلثين إلى 5060 جهازاً فقط، فضلاً عن السماح بدخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكل المواقع الإيرانية المشتبه بها، ومنع طهران من بناء مفاعلات تعمل بالماء الثقيل، وعدم نقل المعدات من منشأة نووية إلى أخرى لمدة 15 عاماً، ويسمح الاتفاق بإعادة فرض العقوبات خلال 65 يوماً إذا لم تلتزم إيران بالاتفاق.

في مقابل ذلك تتعهد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على إيران مقابل التزامها بتطبيق هذا الاتفاق النووي.

موقف "الحرس الثوري" من الاتفاق

ما يلفت الانتباه ويثير الدهشة للوهلة الأولى هو الموقف المثير للحرس الثوري تجاه الاتفاق النووي؛ فقد أوضح قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري قبل توقيع الاتفاق أن في مسودة الاتفاق بنوداً "تجاوزت الخطوط الحمراء للجمهورية الإسلامية خاصة ما يتعلق بقدرات إيران العسكرية"، وأعلن جعفري رفضه "تقييد القدرات التسليحية" لبلاده، بحسب ما نقلته عنه وكالة "تسنيم" الإيرانية.

كما كتب حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة "كيهان"، المحسوبة على تيار المحافظين وشديدة الارتباط بالمرشد الإيراني علي خامنئي، قائلاً: "حتى بمجرد النظر إلى الاتفاق يمكنك أن ترى أن بعض الخطوط الحمراء الأساسية للجمهورية الإسلامية لم يتم الحفاظ عليها"، واصفاً الاتفاق بقوله: "أُعطينا فرساً مُسرجاً وحصلنا على لجام مخروق"!.

للوهلة الأولى يستغرب المرء سبب رفض الحرس الثوري للاتفاق بالرغم من أن توقيعه يرفع عقوبات كثيرة عن كاهل الشعب الإيراني والحرس الثوري نفسه؛ لكن حين نغوص في خلفيات الصورة تتبين لنا أسباب هذا الرفض:

– مهدي مهدوي أزاد، الصحفي والمحلل السياسي الإيراني الذي يعمل في شبكة "بي بي سي" الإخبارية، يكشف جانباً من ذلك؛ فهو يرى أن العقوبات الدولية المفروضة على إيران تتسبب في مشكلات للحرس الثوري الإيراني، لكن تلك العقوبات تعود عليه بالنفع داخل البلاد، معتبراً أن الحرس الثوري يعد أكبر الفائزين من تلك العقوبات، وهذا يرجع لعدة أسباب؛ منها أن الحكومة من عام 2007 إلى 2013م تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط، وتتحايل على العقوبات عن طريق بيع النفط بواسطة الحرس الثوري الإيراني، وهو ما منحه مليارات من الدولارات من وراء هذه العمليات.

وتابع أزاد: "الأمر الثاني أن العقوبات ساعدت الحرس الثوري على تكوين شبكة غسيل أموال لنقل عائدات النفط وتحويل العملات المحلية إلى دولارات، فضلاً عن تعزيزها لدور الحرس في تهريب البضائع"، وكشف عن أنه في عام 2009م اشترى الحرس معظم أسهم اتصالات إيران بقيمة 7.8 مليار دولار في نصف ساعة، كما أنه يتملك أسهماً في مجموعة شركات خاتم الأنبياء تبلغ قيمتها 25 مليار دولار.

– ويضاف إلى ما ذكره أزاد أن رفع العقوبات يعني فتح فرص الاستثمار في إيران، وهو ما يعني دخول شركاء ومنافسين للحرس الثوري في أعماله التجارية داخلياً وخارجياً، وهو الشأن الذي يتفرد به الحرس الثوري دون شريك منذ فرض العقوبات.

– كما أن وجود عقوبات مفروضة على قياداته دون وجودها على إيران ككل يحدُّ من قدرات الحرس الثوري الاقتصادية ولا شك.

– ولا يخفى على أحد كذلك أن "حالة الحرب" التي تعيشها إيران هي بيئة خصبة للحرس الثوري تنتعش من خلالها ميزانيته وتتحملها ميزانية الدولة، وأي تغيير في "حالة الحرب" هذه يعني تقليصاً لتلك الميزانية الخاصة بالحرس الثوري.

– الاتفاق النووي يعني كذلك منح الإصلاحيين أفضلية على المحافظين؛ وهي المقاربة التي سعى إليها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وجعله أحد أهم أهداف الاتفاق النووي.

وهذه المقاربة ذاتها هي ما سعت إليها حكومة حسن روحاني منذ مجيئها في الفترة الأولى، ثم كررت المحاولة في الفترة الثانية، حين أعلنت عن رغبتها في إخراج الحرس الثوري من الاقتصاد الإيراني؛ ولكن بعد قرابة خمس سنوات فشل روحاني في ذلك وأعلن استسلامه أمام الحرس الثوري.
واليوم، حين تضع الولايات المتحدة الحرس الثوري على قائمة الإرهاب؛ فهذا يمثل دعماً جديداً لحسن روحاني وللإصلاحيين؛ وهذا ما سبب مخاوف في أوساط الحرس الثوري، تلك المخاوف التي ظهرت من خلال تصريحات قائد الحرس اللواء جعفري، في إشارة إلى استمرار سيطرة الحرس الثوري على مفاصل الدولة في إيران، حين دعا ترامب إلى أن "يكون واثقاً من أن الحرس الثوري والحكومة ووزارة الخارجية في إيران موحدون"، و"نحن على وفاق تام، وهناك تنسيق بين كل مؤسسات البلاد في إعلان المواقف ضد الأعداء"، وأن إيران "تحوَّلت إلى قوة إقليمية وعالمية كبرى.

ماذا يعني إدراج الحرس الثوري كمنظمة إرهابية؟

لم يُدرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحرس الثوري الإيراني كمنظمة الإرهابية، حتى الآن على الأقل، لأسباب سنذكرها بعد قليل، لكن: ماذا لو كان فعل؟ ما تداعيات هذا الإدراج إن حدث؟

– يلفت الكاتب الأميركي والمحلل العسكري أفشون أوستوفار إلى أن "اقتصاد إيران وسياستها العسكرية والخارجية كلها متشابكة مع مصالح الحرس الثوري ونشاطاته؛ لذلك، إذا صُنِّف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، تصبح الجمهورية الإسلامية إرهابية أيضاً"، محذراً من أن "التصعيد مع إيران إلى هذه الدرجة في وقت لا تزال النيران مشتعلة في العراق وسوريا واليمن ستعقِّد السياسة الأميركية والعمليات في الشرق الأوسط أكثر".

– أما علي الخدري، المسؤول السابق في وزارتي الخارجية والدفاع في ولايتَي أوباما وجورج بوش، فيرى أن "هذه العقوبات تجعل مستحيلاً عملياً على جميع الشركات المتعددة الجنسيات العمل في إيران؛ حيث إن الحرس الثوري الإيراني يسيطر على الاقتصاد الإيراني".

– وسيترتب على إدراج الحرس الثوري منظمة إرهابية جملة من التداعيات أهمها عودة جميع العقوبات التي تم رفعها عن إيران بعد الإتفاق النووي؛ وذلك لأن الحكومة الإيرانية ستُمنع من العمل مع ذراعها العسكري أو مع الجزء العسكري الأهم للنظام، وهو الحرس الثوري، وهذا أمر مستحيل.

إذن، وبكل وضوح، معنى إدراج الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية يعني إدراج إيران كمنظمة إرهابية، ويعني خضوع إيران كدولة وكشعب لمطرقة الحصار والتطويق المنع والتضييق اقتصاديًّا وعسكرياً.

إن إدراج الحرس الثوري كمنظمة إرهابية لا يعني خرق الاتفاق النووي أو الخروج منه؛ وإنما يعني إعلان الحرب ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الأمر الذي يجعل خروج الولايات المتحدة عن الاتفاق النووي أو تمزيقه كما توعد ترمب قبل الفوز في الإنتخابات الرئاسية أمراً هيناً مقارنة مع اعتبار الحرس الثوري منظمة إرهابية.

لماذا تراجع ترامب؟
يجب أن نذكر أولاً أن ترامب لم يتراجع تراجعاً كاملاً، وإنما حاول إمساك العصا من النصف؛ فقامت إدارته بتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية بتفعيل صلاحيات وزارة الخزانة الأميركية، وليس عبر صلاحيات وزارة الخارجية، وهو إلى ما أشرنا إليه آنفاً.

أما لماذا تراجع ترامب عن إدراج الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية؛ فهو للتالي:
– أن الداخل الأميركي، وأوله الجيش، لم يؤيد إلغاء الاتفاق النووي مع إيران؛ فقال أندرو كيلر، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي للعقوبات وتمويل التصدي للتهديدات السابق، لصحيفة الغارديان البريطانية في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2017م، أن سحب ترامب التصديق على الاتفاقية سيضر بمصالح الولايات المتحدة، وسيكون تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية أمراً عبثيّاً وضارّاً بالاتفاقية، وتابع: "قد يؤدي ذلك إلى إلغاء الاتفاقية في الوقت الذي تمتثل به إيران لها، وفقاً للتقارير، وتتزايد الأعمال التجارية المشتركة كنتيجة لرفع العقوبات، وبمعنى آخر، فالاتفاقية تعمل وفقاً لما استهدفناه، قد لا تُفرض العقوبات من جديد، ولكن سيؤدي سحب التصديق إلى زعزعة استقرار الاتفاقية للحكومات والأعمال التجارية على حد سواء"، مضيفاً: "يخضع حرس الثورة الإسلامية بالفعل لعدة عقوبات أميركية، ويبدو أن إضافة تصنيف إرهابي آخر لن يردع أي نشاط للحرس الثوري، ولكنه سيزيد من تحديات الامتثال التي تواجه الأعمال التجارية التي تعمل في إيران".

– أن الشركاء الأوروبيين رفضوا ذلك أيضاً؛ فقد نقلت رويترز يوم الإثنين 16 أكتوبر/تشرين الأول 2016م تأكيد الاتحاد الأوروبي من جديد دعمه للاتفاق النووي الموقع بين إيران وست قوى عالمية عام 2015م على الرغم من انتقادات حادة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب للاتفاق، وحث التكتل أعضاء الكونغرس الأميركي على عدم العودة لفرض العقوبات على طهران.

وأوضح وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المجتمعون في لوكسمبورغ أن عدم احترام اتفاق دولي دعمه مجلس الأمن قد يكون له عواقب وخيمة على السلام الإقليمي، وقد يقوض جهود كبح الطموحات النووية لكوريا الشمالية.

فيما قال وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل للصحفيين قبل اجتماع وزراء الخارجية: "نشعر نحن الأوروبيين معاً بقلق بالغ من أن يقودنا قرار الرئيس الأميركي إلى مواجهة عسكرية مع إيران".

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان للصحفيين: "منع الانتشار (النووي) من العناصر الأساسية المتعلقة بالأمن العالمي، والإضرار به سيكون مضرّاً للغاية"، وأضاف: "نأمل ألا يُعرِّض الكونغرس الأميركي الاتفاق النووي الإيراني للخطر".

وذكرت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني أنها ستسافر إلى واشنطن أوائل الشهر المقبل في محاولة لحشد التأييد للاتفاق.

– كما تتزايد المخاوف الأوروبية في ظل وجود عقود تجارية بين بعض الدول والشركات الأوروبية وحكومة إيران، وكثير من هذه العقود ظاهرها التعامل مع الحكومة؛ لكنها في حقيقتها تتعامل بصورة غير مباشرة مع الحرس الثوري، وإذا أدرجت الولايات المتحدة الأميركية الحرس الثوري منظمة إرهابية، فهذا يعني أنه لا يمكن التعامل معها اقتصادياً؛ مما يزيد الأمر تعقيداً، وتكون الدول الأوروبية وشركاتها أكثر المتضررين من هذا الفعل.

– كما أحال آخرون الأمر إلى آثاره على الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية؛ إذ ذكرت مصادر أميركية وأوروبية أن "قوة الدفع وراء أمر رئاسي محتمل تباطأت وسط جدل داخلي اشتمل على مخاوف من أن ذلك قد يقوض الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية"، وهنا نتذكر أن الحرس الثوري يتواجد حالياً في العراق بطلب من الحكومة لمكافحة تنظيم الدولة، وهناك تنسيق مستمر بين القوات الإيرانية والأميركية في ما يتصل بمكافحة الإرهاب.

– وأوضح أحد المسؤولين الأمريكيين -طلب عدم نشر اسمه- سبب ذلك لوكالة رويترز بقوله: "إذا فعلتْ (واشنطن) ذلك فلا سبيل آخر للتصعيد، وستضيع أية إمكانية للتحدث مع الإيرانيين عن أي شيء".

– وهناك كذلك خطورة أن يكون نتيجة فعل ترامب خروج البرنامج النووي الإيراني عن الرقابة الغربية، وهو ما ذكره ريتشارد دالتون، سفير بريطانيا سابقاً في طهران؛ حين أشار إلى أن إلغاء الاتفاق الإيراني سيجعل من المستحيل استمرار مراقبة البرنامج النووي الإيراني "كلياً"، مضيفاً أن ترامب "سيخاطر بوضع الولايات المتحدة في صراع مع طهران في الوقت الذي تواجه الولايات المتحدة والعالم بالفعل أزمة نووية في كوريا الشمالية".

– بينما ذهب الخبير في شؤون العقوبات تايلر كوليس إلى أبعد من ذلك؛ إذ كتب على "تويتر": "أتوقع أن يقر البرلمان الإيراني قريباً قانوناً يقول أن الجيش الأميركي جماعة إرهابية"، وهو ما قد يشكل خطراً على أي جندي أميركي يقع بين أيدي الإيرانيين.

وحديث الخبير لا يمكن تجاوزه أو التقليل من شأنه؛ فقد شهدت المياه الخليجية، وخاصة مضيق هرمز، منذ بدء ولاية ترامب، إزعاجات للقوات الأميركية من قِبل الحرس الثوري الذي تقوم دورياته بمراقبة للمنطقة بشكل منظم للتأكد من أمن البواخر العابرة من المضيق؛ فكيف لو اعتبر الحرس الثوري القوات الأميركية عدوّا ينوي اجتياز هذا المضيق؟ وفي هذا الاتجاه نفهم معنى اقتراح قائد الحرس الثوري على الأميركيين نقل أسطولهم العسكري إلى أبعد من 2000 كيلومتر.

هكذا تتضح الرؤية بوضوح؛ فالحرس الثوري أهم لإيران من الاتفاق النووي؛ وأية إجراءات ضد الحرس الثوري معناه إجراءات ضد النظام الإيراني والجمهورية الإيرانية وإيران كبلد نفسها، وستؤثر جذرياً في إيران داخلياً وخارجياً.

ولن نذهب بعيداً إذا قلنا أنه لو استمر ترامب في التصعيد وحوَّل الاتفاق للكونغرس فإن إيران لن يكون لديها مانع أن تناقش "بعض" تفصيلاته بشرط ضمان تحصين الحرس الثوري من أية إجراءات فعلية تجاه تصنيفه إرهابياً.

إن الحرس الثوري هو العمود الفقري للنظام الحاكم، وعمود خيمة الجمهورية الإيرانية اليوم، وشريان الحياة لقلب إيران، وأي شيء يصيب الحرس الثوري يضع إيران كبلد وجمهورية وثورة ونظام في مواجهة خطر مصيري يهدد كينونته ووجوده، خصوصاً أن إيران بأحلامها "الامبراطورية" وآمالها التوسعية قد فتحت أمامها بالفعل أبواباً عدة، وكوَّنت أعداء كثيرين؛ وبالتالي الأعداء اليوم أكثر من الأصدقاء، والمتربصون ينتظرون اللحظة المناسبة لتحويل أحلام الجمهورية الإيرانية وآمالها إلى كوابيس تعود بالوبال على كل إيراني.

ومن هنا تظهر قيمة الحرس الثوري بالنسبة للجمهورية الإيرانية، والذي يفوق قيمة أي شيء غيره، ويتبين مبرر دفاعها المستميت عنه؛ فهو حلم الثورة الإيرانية الذي تحقق، والذي ترجو من خلاله أن تحقق أحلام إمبراطوريتها المترامية الأطراف.

الحرس الثوري حلم لا تتمنى إيران أبداً أن يغدو يوماً كابوساً.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد