وَرقة ‘الأصالة والمعاصرة” تحْترقُ من الدّاخل

ما يعيشه حزب الأصالة والمعاصرة، مسألة طبيعية نتيجة ولادة غير طبيعية، ويُواجه "الحِسْبُ" أقْوى إعْصَار داخليّ بعد تقْديم "إلياس العماري" استقالته التي سيُبثّ في أمْرها الأسبوع الأخير من أكتوبر|تشرين الأول الجَاري، لكنه لن يستقيل بسُهولة، فقد حرّك خيوطاً سرّية كثيرة حتى يتمكّن من العَودة إلى المسؤولية في الحزب، استقال في العلن، لكنه يسعى في السرّ إلى الدفع برفض استقالته من طرف المكتب السياسي.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/19 الساعة 04:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/19 الساعة 04:54 بتوقيت غرينتش

عَشر سنواتٍ مضتْ على مجيء هذَا الغَريب إلى هذا العالم. أصْبح عَجوزاً معتكفاً لا يرى. أصبح غريقاً دون أن ينجح في مهمّته المَكتوبةِ على لوحٍ محفوظٍ مخبأٍ بعنايةٍ بينَ رُفوف وزارة الدّاخلية.

كانتِ البدايةُ منذ نهاية 2007 عندما نشأت علاقة حب هجينة بين "حراس القصر" و"يساريّ البلاط".

في عَقد النّكاح ذاكَ الذّي كُتب ذَات "حركة لكل الدمقراطيينَ"، اتفقوا على أن يرثوا ما تبقّى من الأرْض والسّياسة، أن يكتبوا المنَاصب والكراسي باسمهم، أنْ يُلقوا بسنانيرهم المعقوفةِ بعيداً، في البرَك الآسنة والعكِرة، أن يصْطادوا مَا تيسّر لهم من السمك البالي، حتى تمكّنوا من اجتياح معظم محافظات المملكة في انتخابات 2009، اتفقوا على أن يحتفظ اليسار بـ"جلْبابه" القديم على أن تزيّنه عمامةُ الوالي، اتفقوا على أن يرث اليمينُ اليمينَ، وأن تقصف النّبال البالية ذات الشمال وذَات اليَمين، حتى جاء ربيع حركة 20 فبراير|شباط 2011 وغيّر مجريات الأحداث.

أمّا اليوم، ونحن نتابع لحظة بلحظة ما يجري في قلب حزب الأصالة والمعاصرة (البّام) الذي أسسه فؤاد عالي الهمة مستشار الملك محمد السادس.

أسسه حين كان مَاسكاً بخيوط وزارة الداخلية، نلحظ أنّ ورَق التوت فيه قد سقط وتمزق، وبات الحزب "العملاق" رثاً عجوزاً معتماً، لا أحد فيه وخارجه يعرف ما يجري بالضبط، غير أن قلْبَ الحزبِ توقف عن النّبضِ، وأصبحت وريقات الخَريف تَتسَاقط منهُ تباعاً.

عندمَا يخْتفي العماري عن أنظْار السّياسة، يُوجد احْتمال واحد من اثنين: إنّ الدّولة العميقة تفكّر في ما بعد حزب الأصالة والمعاصرة. يُمكن أن يبْقى الحزب حياّ لكن على الأقل بهيئة رجل آخر و"جلباب جديد" وبأدْوار جَديدة.

مَا لم يعْرفه "إلياس العماري" الأمين العَام المُستقيل مؤقّتاً، هو أنه ارْتكب خطأ تاريخياً حينَ قرّر أنْ يَعود من عَالم السرية إلى العَلن.

تلك كانت نهايته الحتمية، وكان نقطة اللاعَودة، فقد وجد فيه عبد الإله بنكيران رئيس حزب العدالة والتنمية أيّام "الحملات الانتخابية" لوحة "السّهام المريشة" التي يسهل قصْفها من مسَافة بعيدة.

لقَد عَاد "العماري" إلى العَلن، لكنه أصْبح اليوم دون خوذة تحميه، أصابته لعنة الأجهزة التي صَنعته حينها، ولعنة "رفاقه" في الحزب ولعنة احتجاجات الرّيف.

ووجد نفسه عَارياً أمَام زوبعة سحقه وحولته إلى دَقائق صَغيرة، وجد نفسه وحيداً أمَام هول احتجاجات الريف وهو الذي ينتمي الريف "بدكّان سياسي" لم يلعب فيه سوى دور المعارضة الميؤوس منها.

أصبح كغُراب على رأس الجهة التي عرفت أكبر الاحتجاجات في المغرب منذ سنة، لا هو قادر على المسؤولية ولا هو قادر على المعارضة والانتقاد.

ووجد نفسه معنياً في ثنايا "خطاب العرش" الذي أوقد فيه الملك عود الثقاب وألقاه إلى هشيم الأحزاب السياسية ثم قلب الطاولة على الجميع.

أمَام هذا الوَضْع، يُسارع قادة حزب "الجرار" لتطويق الأزمة الدّاخلية التي انفجرت بين صقور الحزب حول الثروة والتحكم والدور المنوط بالمكتب السّياسي والاتهامات المتبادلة، والتصريحات الجديدة التي غيرت بشكل مفاجئ مهمة الحزب، من محاربة الإسلاميين إلى الارتماء في حضنهم.

فقد صرح عبد اللطيف وهبي القيادي والرئيس السابق للفريق البرلماني لحزب "البام" في البرنامج الشهير "قفص الاتهام" الذي يبث في إذاعة الشرعي 'أن عدوّ حزبه اللّذوذ عبد الإله بنكيران، اتّصل به عبر الهَاتف، بعد أزْمة صحّية، ليخبره أن وقت الاشتغال بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة قد حَان. في إشارة إلى تحالف جديد قد يغير الخريطة السياسية في الولاية الحُكومية القادمة، وهذا ما سيشعل فتيل الحرب بين أصدقاء الأمس.

ترْحال رجَال أعْمال حزب "البام" إلى حزب التّجمع الوطني للأحْرار، كَان أيضاً بمَثابة إعلان فُقدان الثّقة في مشروع جرّار فَشل في حصْد القمح وزرعه، ولم يَعد "الحِزبُ" يُغري من كان لهم حُلم التّقرب من السّلطة.

فـ"العزيز أخنوش" صَاحب الجَاه ورئيس حزْب "الحمامة" أصْبح اليوم أكبر من يلعب هذا الدور.
ما دام السّيد الأمين العام أكْثر قُرباً من الملك.

ما يعيشه حزب الأصالة والمعاصرة، مسألة طبيعية نتيجة ولادة غير طبيعية، ويُواجه "الحِسْبُ" أقْوى إعْصَار داخليّ بعد تقْديم "إلياس العماري" استقالته التي سيُبثّ في أمْرها الأسبوع الأخير من أكتوبر|تشرين الأول الجَاري، لكنه لن يستقيل بسُهولة، فقد حرّك خيوطاً سرّية كثيرة حتى يتمكّن من العَودة إلى المسؤولية في الحزب، استقال في العلن، لكنه يسعى في السرّ إلى الدفع برفض استقالته من طرف المكتب السياسي.

يَعلم سائقو الجرّار، اليَوم، وأكثر من أي وقت مضى، أن "أمّتهم اجتمعت على ضلال" داخل هذا الحزب، وليس القادة فقط، بل كل من كان يحرث معهم، ومن يحصد معهم ومن يكرههم، وحتى من صنعهم فطن إلى أن هذا الكابوس كان لا بد له أن ينتهي لأن أول من رتب حكايته الأولى هو أول من تضرر منه.

وهناك احْتمالان اثنان لهذه القصّة الجديدة التي تُكتب بحبرٍ عاقرٍ، إما أن جينَات "البّام" تتغير للعبِ دوْرٍ جديد إلى جَانب حزب العدَالة والتنمية في الحكومة المُقبلة، وإما أن ورقة "البّام" تحْترق من الدّاخل إلى غير رجْعة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد