ضللنا الطريق إلى مكة فذهبنا إلى برلين!

بعد أن أصبحت أغلب الشعوب العربية مضطرة للهجرة، وخاصةً الشعب السوري، لما يجري في بلادها من دمارٍ وحروب وصعوبةٍ في العيش وكسب الرزق، لم نعد فقط مضطرين للهجرة، بل أصبحنا نحلم بها وننتظر تحوّل حلم الرحيل إلى حقيقة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/19 الساعة 07:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/19 الساعة 07:37 بتوقيت غرينتش

بعد أن أصبحت أغلب الشعوب العربية مضطرة للهجرة، وخاصةً الشعب السوري، لما يجري في بلادها من دمارٍ وحروب وصعوبةٍ في العيش وكسب الرزق، لم نعد فقط مضطرين للهجرة، بل أصبحنا نحلم بها وننتظر تحوّل حلم الرحيل إلى حقيقة.

ربما لما أبدته بعض البلاد من رحابة صدرٍ وكرم ضيافة، أو ربما لوجود بعض الأبواب المفتوحة أمام حالم بالرحيل يبحث عن ملجأ الأمان من واقع مؤلم أصبح العيش به شبه مستحيل.

لنقل إنّه في طبيعة الحال لا وجود للأبواب المغلقة، وإن كل الأبواب أمامي مفتوحة، وإنني اضطررت للرحيل المفاجئ، فأي بلدٍ سأختار أو بالأحرى بأي بلدٍ سأفكّر أو بأي بلد يفترض أن أفكر على الفور؟ مكّة أم برلين؟

دعونا نقوم بتصغير دائرة التفكير ولنقل إنني اضطررت لترك منزلي بسبب مشكلةٍ ما مثلاً حريق قد دمر منزلي وما فيه.. وأنا الآن في حيرةٍ من أمري.. إلى أين أذهب؟

هل أذهب إلى جارتي وأطلب منها اللجوء لما شاء الله إلى أن يكتب الله لي إصلاح منزلي والعودة إليه؟
أو أذهب إلى قريبتي بنفس الحي الذي أقطن به؟ أو قريبتي في الحي المجاور؟
أم أذهب إلى حيٍّ بعيد لا أعرفه مطلقاً ولم أعرف عنه شيئاً قط أو ربما سمعت اسمه من أحدهم وسمعت عن عاداته التي لا تشبه عاداتنا أبداً، وعن بيئته البعيدة كلياً عن بيئتنا، وسمعت عن جماله ونظافة شوارعه التي لم التفت إليها يوماً ولم أهتم لما يقال عنها، فهذا الحي لا يعنيني حتى وإن كان يستهويني مثلاً، إلا أنّه في النهاية مجرد حي يصعب الوصول إليه بتقديري.

فهل أختاره مكاناً للجوء عند حاجتي؟
أم أنه من الأولى بي أن أفكر بالذهاب إلى المكان الذي أنتمي إليه.. المكان الذي يفترض أن يكون ملجئي عند الحاجة.. هو بيت عائلتي وانتمائي؟
بالتأكيد الأولى أن أذهب إلى بيت العائلة حتى وإن كان بعيداً كل البعد عن الحي الذي أسكنه.

فجارتي ربما تسعد باستقبالي يوماً أو بعض يوم لا أكثر، أو ربما تعتذر بلباقة عن استقبالي كلياً.
وكذلك قريبتي بكل الأحوال، فإن استضافتني في منزلها فلن تطول الإضافة أكثر من أيام معدودة.

ففي النهاية وعند حاجتي للجوء لن أجد ملجأ أفضل من منزل العائلة.. ملجئي ومن أنتمي إليهم.

وكذلك الحال عندما أضطر للهجرة إلى بلد آخر فالأولى بي اختيار بلد الانتماء كملجأ لي عند الحاجة؛ لذلك عليّ أن أحسن الاختيار والوجهة وكذلك الطريق، لكن الواقع هنا لا بد له من المشاركة، فإلى أي بلد ينبغي أن أهاجر؟

لا أعتقد أن أحدنا فكر بمكة كملاذ آمن له وبيت للمسلمين أجمع!

ربما سنفكر ببلدان مجاورة عربية أو غير عربية وذلك بحكم الجيرة كما يقال لا أكثر.. هنا نتكلم عن الهجرة كاختيار بعيداً عمّن يضطرون للهرب وقطع الحدود في حالات القصف، فأولئك ليس لديهم خيار، ولا يملكون فرصة للتفكير بمكان الإضافة، يضطرون للهروب وحسب.

إذاً لن يفكر من يضطر للهجرة من المسلمين بالمكان الأولى به وهو مكة، بل سيختار مضطراً من البلدان من كانت مجاورة أو تلك التي تفتح ذراعيها لاستقبالهم (البلاد الأوروبية) لا تلك التي تسدّ الأبواب أمامهم على الرغم محبتهم لها واعتزازهم بالانتماء إليها.

لا أعتقد أن أي مسلم في هذه الحالة ستخطر بباله تلك البلدان التي تفتح ذراعيها عند حاجته أو أنه سيتجرأ ويحلم بها.

المهم أنه يفترض على أي مسلم أن لا يفكر إلا ببلدٍ واحدٍ قد فكّر به مراراً وتكراراً، وحفظ معالمه وربما تفاصيله، وعلم عنه الكثير مثقفاً كان أم غير ذلك.

ذلك البلد الذي لا بد لأي أحد منا أن يحتفظ ببعض صور له، سواء في خزانته أو على جدران منزله أو بين دفاتره، وصور على جوّاله أو ربما رسم له صوراً بمخيلته.

تلك هي ملاذنا (مكّة) التي جميعنا تربينا على صورها ومعالمها وتاريخها وعلى حبّها وانتمائنا لها قدوة برسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام.

هذا ما يفترض أن يكون إلّا أن الواقع غير ذلك..
أليس من حقنا إذاً أن نرى غرابةً بترك مكة والهجرة إلى برلين؟

ألم يكن أولى بنا أن نهاجر إلى مكان انتمائنا الذي قد حفظنا معالمه وتفاصيله وتربينا على تاريخه؟
ألم يكن أولى بنا أن نهاجر إلى مكان نشأة رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام؟

ألم يكن أولى أن نهاجر إلى أرض المسلمين ونحن عرب مسلمون؟
ألم يكن أولى بمكة أن تفتح لنا أبوابها وأحضانها من برلين؟
"سيسجل التاريخ يوماً أن المسلمين قد هاجروا إلى برلين عندما كانت مكة أقرب إليهم".

لا أدري.. لماذا نخاف التفكير باللجوء إلى أحضان وملاذ كل مسلم على هذه الأرض ونحن مسلمون؟
برلين أصبحت أقرب إلينا حتى من صور مكة وتاريخ مكة وحلم مكة الطفولي.
برلين أصبح الانتماء إليك..
ولمَ لا وأنت لم تغلقي أبوابك أمام المسلمين رغم خوفك المعلن من كلمة مسلمين!

ومع ذلك فأنت أحنّ عليهم من مكة المسلمين بل إنها مكة قريش..
ويسألون عن حال المسلمين لما تدنّى؟
ونسأل ويسألون لما لم نعد نتحلى بأخلاقنا ومبادئنا كمسلمين؟
غريبٌ أمرنا.. وكيف نسأل وقد فقدنا انتماءنا؟
لقد أصبح كلٌّ منّا يتبرّأ من هذا الانتماء وبكلّ فخرٍ للأسف.
لا أدري إن كان يحقّ لنا أن نعذر أنفسنا من هذا التبرؤ لما نراه من مواقف مؤسفة لمكة!
وبعد كل هذا نسأل لمَ أصبح حالنا هكذا؟

نريد الانتماء.. نريد أن نهاجر إلى مكة أرض الانتماء قلباً وجسداً.. مكة المسلمين لا مكة برلين.

علينا أن نتأكد من التسميات قبل الرحيل وإلا ضللنا الطريق وذهبنا مكة برلين وتركنا مكة المسلمين.

البلدان التي لم نتجرأ على الحديث عنها يوماً قد فتحت أبوابها لنا وكأنها تقول: أقبل ولا تخف، أنت آمن في بلدك.

أو كأنّها تقول: تعالَ وأثبت انتماءك لتلك الأرض التي لم ولن تنتمي إليها يوماً.

أمّا بلاد المسلمين تحولت إلى بلادٍ غريبة لا يسمح لنا ولا حتى بحلم السفر إليها..
لقد أوصدت أبوابها أمامنا وكأنّها تبرّأت منّا كمسلمين وعرب..
عن أيّ زمانٍ نتحدّث؟
هل نتحدث عن مكة قريش أم مكة المسلمين؟
مكة قريش التي منعت الرسول عليه الصلاة والسلام من الدخول إليها يوماً؟
تلك مكة قريش الآن تمنعنا كمسلمين من الدخول إليها أيضاً.. سبحان الله!

أصبحنا نحتاج إلى إذن وموافقة لندخلها لا لشيء إلا لأننا مسلمون مستضعفون كمسلمي مكة قريش فضاقت علينا الأرض إلا من برلين.. وليسجّل التاريخ ذلك.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد