الجزيرة العربية ما بين “رفحا” والنزوح

‎في عام 2014 نزح سكان محافظات ومدن عدة وقدّرت أعدادهم بالملايين؛ حيث عصفت الحرب بمناطقهم، وبعضهم لم يجد ما يلجأ إليه أو من ينقذه فقتل تحت أنقاض منزله، في حين اضطر الآلاف إلى العيش في ظل حصار مطبق حرمهم من الغذاء والدواء وحتى الماء، ولم يجد أطفالهم حليباً يروي ظمأهم، فجفت العروق وابتلت الأرض بالدماء، وثبت صيام الأمل عن البزوغ، فكان لغسق الألم أثر في أحداقهم، حيث لم يفتح الجار بابه ولم تفتح رفحا ولا عرعر التي عرج كثير منهم عبرها إلى أطهر البقاع.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/13 الساعة 04:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/13 الساعة 04:17 بتوقيت غرينتش

‎ما إن انتهت حرب الخليج حتى بدأت حملة تمرد جنوب العراق أطلقت عليها بغداد اسم "الغوغاء" في حين سماها القائمون عليها "الانتفاضة الشعبانية"، لكنها فشلت بعد تصدي قوات الأمن العراقي لها رغم الدعم الدولي والإقليمي المقدم، فقتل من قتل واعتقل من اعتقل وفر الآخرون، فكانت أرض الجزيرة العربية عام 1991 أفضل مكان للاجئين من المتمردين، بعد أن أنشأت الحكومة في السعودية مخيمين لإيواء اللاجئين وهما "الأرطاوية" ووضع فيها العزاب، وضم أكثر من أحد عشر ألف لاجئ، ومخيم "رفحا" ضم أكثر من ثلاثين ألف لاجئ مع عائلاتهم؛ حيث أمّنت لهم السلطات السعودية العلاج والمنازل ووفرت تعليماً ابتدائياً وثانوياً لأبنائهم.

‎في عام 1992 ارتأت السلطات السعودية دمج المخيمين بمخيم واحد؛ ليكون مخيم رفحا شمال السعودية والواقع ضمن منطقة الحدود الشمالية للمملكة على بُعد 35 كيلومتراً من الحدود العراقية مُستقَراً لأكثر من ثلاثة وثلاثين ألف لاجئ، جميعهم من أتباع الديانة الشيعية، لكن معارضتهم لنظام صدام كان كفيلاً بتأمين الرعاية لهم من قِبل السعودية التي ساعدت في إيصال المنظمات الدولية ووسائل الإعلام للمخيم؛ لتتم إعادة توطين معظمهم في دول مختلفة قبل عودة كثير منهم إلى العراق بعد 2003 للحصول على مناصب إدارية وعسكرية وبرلمانية، إضافة إلى امتيازات عديدة أخرى.

‎مجمل أعداد اللاجئين عام 1991 كانت لا تتجاوز التسعين ألف لاجئ ما بين هارب من الخدمة العسكرية الإلزامية ومعارض للنظام، وهارب من أحكام جزائية ، فوجدوا الرعاية والاحتضان من دول إقليمية ومنظمات دولية، وما مخيم رفحا في أرض الجزيرة إلا دليل حي على ذلك.

‎في عام 2014 نزح سكان محافظات ومدن عدة وقدّرت أعدادهم بالملايين؛ حيث عصفت الحرب بمناطقهم، وبعضهم لم يجد ما يلجأ إليه أو من ينقذه فقتل تحت أنقاض منزله، في حين اضطر الآلاف إلى العيش في ظل حصار مطبق حرمهم من الغذاء والدواء وحتى الماء، ولم يجد أطفالهم حليباً يروي ظمأهم، فجفت العروق وابتلت الأرض بالدماء، وثبت صيام الأمل عن البزوغ، فكان لغسق الألم أثر في أحداقهم، حيث لم يفتح الجار بابه ولم تفتح رفحا ولا عرعر التي عرج كثير منهم عبرها إلى أطهر البقاع.

وكل الجيران عدا السلطان أوصدوا أبوابهم، فكان الوجع حقيقياً وليس سياسياً.

‎ورغم أن من عانوا أخيراً يرتبطون عرقاً وديناً بثلاث دول من أصل خمس تحيط بهم غير أن الثلاث أغلقت الأبواب، وزادوا من الأقفال، ورابع فتح أبوابه لضباعه باستثناء خامس قال: ادخلوها بسلام آمنين حتى إشعار آخر.

‎صورة نفت نظرية (لا يُصبح الدم ماءً)، فالأصل معظمه ماء سائل، ومن يسأل يعرف أن العِرق دساس، حيث لم يسكن الجزيرة صحابة فقط، والله يعرفهم، وحيث إننا لا نكشف ما في الصدور تساءلت وفي النفس غصة، إن كان الساسة على خطأ فأين أخوة الدم والدين؟ أما يستحق الأمر نخوة دين أو قبيلة أم أن رعاية قاتلهم أولى؟ ربما هي كذلك، فخريجو مخيم رفحا يتوافدون بين الحين والآخر إلى تلك الدول، وكأن الرعاية الأبوية تحتم ذلك حتى آخر الطريق الأعرج.

‎حكم سكان مخيم رفحا البلاد وحصلوا على كل الامتيازات، وتُعد فترة حكمهم هي الأسوأ في تاريخ العراق الحديث، من حيث القتل والتهجير والطائفية والتفكك المجتمعي والجهل وكل سيئ، إضافة إلى ذلك ارتكبوا جرائم بحق الشعب، ورغم هذا الكم الكبير من الفظائع لم يتخلَّ عنهم أحد، ويبدو أنّ هؤلاء كان يتم إعدادهم لهذا الغرض، ودليل ذلك استقبالهم استقبال الأبطال، من جانب آخر يبدو أن هناك من يستلذ فيما يحصل للنازحين ومدنهم، حيث يتفرج الجميع على حالهم رغم أن طائرات تلك الدول وأموالها قتلت ودمرت وهدت البيوت فوق ساكنيها.

‎وأرى أن من يصبر على هذه النوائب لا يعني فقدانه لصوابه ولا إحساسه، بل هو يدرك كل ما يحصل له، وإن كان قليل الحديث عن ذلك، ولكنه كسجن ابن يعقوب لا بد أن تدور النوائب في دنيا لنا وإياها شواهد على دروس قاسية كأيام كان الجميع فيها يدخل أي أرض يشاء بقوة ذراعه، ولكن الأغلال جعلت الإخوة يستفردون بهم، بعد أن رموهم في الغياهب؛ ليَلتقطهم الغرباء.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد