"1"
التقيت بالراحل جلال طالباني للمرة الأولى عام 1968 في "بلغراد" خلال انعقاد المؤتمر السنوي لاتحاد الطلبة الأكراد في أوروبا، وكنا فقط الضيوف الثلاثة المدعوين باسم أحزابنا (هو والراحل حبيب محمد كريم وأنا)، وكان حينها يقيم بدمشق، والتقينا المرة الثانية في بيروت عام 1972، وفي المرة الثالثة بأربيل خلال انتخابات البرلمان الكردستاني عام 1993، ثم التقينا بمكتبه بقتلتجولان مع رفيقي القياديين الراحلين مشعل التمو ومحمد أمين، والتقينا مرتين بباريس بجنازة الشهيد د. قاسملو والمؤتمر التضامني العالمي مع الشعب الكردي، وفي كل هذه المدة كنا مختلفين ومتفقين على وفاق ومتخاصمين حول الأمور السياسية والكردستانية، وخصوصاً حول قضيتنا الكردية السورية والنظام الحاكم بدمشق، كل ذلك لا يمنعني أن أترحم على هذه الشخصية الكردية الكبيرة صاحب العديد من المزايا الحسنة، الذي لعب دوراً بارزاً على صعيد العراق والحركة الكردية، وأتقدم بالتعازي الحارة الصادقة إلى عقيلته السيدة هيروخان ونجليه قباد وبافل وعائلته ورفاقه ومحبيه.
"2"
بادئ ذي بدء أقول: إن شعب إقليم كردستان العراق أدرى بأموره وأستميحه العذر بإبداء رأيي المتواضع بالقول إن قيادته (برلماناً ورئاسة وحكومة) قد حققت خطوة استراتيجية تاريخية بإنجاز الاستفتاء، ودخل الزعيم مسعود بارزاني مرة أخرى التاريخ من أوسع أبوابه، ووفى بوعده، والقرار الأخير بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الأول من الشهر القادم خطوة سليمة أخرى بالاتجاه الصحيح؛ لأن مرحلة ما بعد الاستفتاء تحتاج إلى قيادات وبرامج وخطط وسياسات جديدة، وفي السياق ذاته من المفيد أن تسبق هذه الخطوة أو تتبعها على الفور إجراء تغييرات في الهياكل الحزبية القائمة عبر المؤتمرات، وحسب العملية الديمقراطية وإعادة النظر في العديد من الملفات، ومن بينها ملف العلاقات القومية الكردستانية، وبالأخص ما يتعلق بالحركة الكردية السورية.
"3"
من باب الحرص على العيش المشترك والمصير الواحد لا أجد من الحكمة الانطلاق من العصبية القومية، ومن جانب واحد في تحديد خطوط الجغرافيا في المناطق المختلطة (الكردية – العربية) وتشخيص تاريخها، ويحز في نفسي كثيراً أن يكون المناضل الوطني الصديق جريس الهامس في عداد هؤلاء، قلناها ونكرر أن ما أقيم من (إدارات ذاتية باسم الكرد) ما هي إلا سلطات الأمر الواقع الوقتي، ونجدد التأكيد أن الحل العادل والدائم للقضية الكردية – السورية لن يتم إلا بتوافر الشروط الثلاثة التالية:
1 – إجماع كردي على صيغة الحل.
2 – توافق وطني سوري.
3 – قيام نظام ديمقراطي كضمان وحاضن.
والشروط الثلاثة ليست متوفرة حتى اللحظة، فلماذا إثارة مسائل خلافية في وقت تخضع بلادنا فيه لاحتلال الروس والإيرانيين والميليشيات الطائفية؟
أليست الأولوية الآن تضافر الجهود من أجل تنظيم المؤتمر الوطني السوري الجامع للمراجعة وإعادة البناء والاتحاد لمواجهة التحديات؟
"4"
مبادرة الرئيس الفرنسي (وقد تكون معبرة عن دول الاتحاد الأوروبي وأميركا كما هي الحال مع مبادرته الليبية رغم اختلافها بالمضمون عما يجري بالعراق) ظهرت أصلاً بعد القرار الجماعي لشعب كردستان العراق بشأن مصيره، وقبل ذلك ردود الفعل من بغداد وأنظمة دول الجوار الاستبدادية الانتقامية والمنطقة والعالم والأمم المتحدة، أي أن لب الموضوع يتعلق "بتدويل" حق تقرير المصير لشعب يطالب بتحقيقه حسب مبادئ الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان، وانتقاله إلى الفضاء العالمي بالانتقال من مرحلة (الفيدرالية) إلى أخرى قيد التداول والحوار منذ الساعة السابعة مساء بتوقيت أربيل في الخامس والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي ولا بد بعد الإجماع الداخلي الرائع من مزيد من التحرك السلمي والتظاهر في كل أنحاء العالم، وإلى مزيد من التضامن العالمي والمزيد من التدويل.
"5"
"ليس هناك أية فائدة لرفع العلم الإسرائيلي في مناسباتنا وأكبر مساعدة لنا هو عدم رفع علم إسرائيل في المهرجانات"
(27 – 9 – 2017)
نيجيرفان بارزاني
رئيس حكومة إقليم كردستان العراق
"6"
واضح أن شعب إقليم كردستان العراق وبعد عملية الاستفتاء الناجزة وانتقاله إلى مرحلة فاصلة جديدة يمر بأدق وأخطر اللحظات في تاريخه المليء بالصفحات النضالية الناصعة منذ أكثر من قرن من الزمان، ولا شك أن قيادته السياسية المجربة التي تحمل نتائج إرادة الغالبية الساحقة في تقرير مصيرها كأمانة ووديعة أمام التحدي الأكبر في إدارة دفة صراع العملية السياسية والتهيئة لمواجهة كل الاحتمالات، وخصوصا الحرص على سلامة وأمن مواطني الإقليم وعلاقات الحوار والتفاهم مع بغداد، وحسن الجوار مع الدول المحيطة والتفاعل مع المجتمع الدولي، وهنا تبرز أهمية التضامن الآن وبكل أشكاله من جانب كرد الجوار والعالم، بحسب الظروف المحيطة في كل بلد ومكان.
"7"
في انتخابات سوريا في سبتمبر/أيلول 1961 كنت (وكيلاً غير رسمي) بسبب عدم بلوغي السن القانونية للمرشح الراحل د. نور الدين ظاظا، في مركز اقتراع قرية دكشوري، وفي انتخابات كردستان العراق عام 1992، أي بعد أكثر من ثلاثين عاماً، كنت في عداد المراقبين الدوليين مع مجموعة من برلمانيي كرد تركيا (ليلى زانا – أحمد تورك – زبير آيدار)، والآن في عام 2017، أي بعد نحو 25 عاماً، ولإيماني بمبدأ حق تقرير مصير الشعوب، وخصوصاً شعبي، مارست حقي المشروع وشاركت في التصويت بنعم، وفي الحالات الثلاث يحصل معي للمرة الأولى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.