من المعروف أن منطقة الشرق الأوسط هي منطقة متنازع عليها؛ حيث إن الأسباب أو دوافع الحروب الحديثة فيها باتت سياسية واقتصادية، ولكن تحت غطاء إنساني مشرَّع!
بمعنى أن الحرب أصبحت من المحتمل أن تعلن بسبب إرساء الديمقراطية والحريات، وذلك الغطاء الإنساني لها، ولكنها في الأغلب تكون أهدافها الخفية سياسية أكثر منها من الدوافع والأسباب الأخرى، ومن الممكن أن تتمثل في توسيع النفوذ والسيطرة للدولة، واقتصادية للسعي لامتلاك الموارد الطبيعية والثروات!
هذا غير الجهات التي تعمل جاهدة من أجل التربح من أي حرب تحصل! أولهم هم تجار الأسلحة والداعمون للإمدادات العسكرية خلال الحروب التي تحصل، وأيضاً الجنرالات والأركان العالية بالجيش تسعى للتربّح أيضاً؛ حيث إنه برز في القرن المنصرم قادة عسكريون قامت الاستراتيجيات الخاصة بهم على الحرب، إضافة إلى خططهم العسكرية بتغيير مفاهيم الحروب الحديثة، وصياغة تعاريف جديدة لمفاهيم الحروب والتنازع بين القوى أو الفصائل، أيضاً شركات إعادة الإعمار والبناء تستفيد من الحروب؛ إذ إنه يقع على عاتقها إعادة بناء وإصلاح ما قامت الحرب بتدميره!
فتسعى للحصول على العقود والعمولات هذا غير غايات التربح أيضاً.
من الأمثلة على تلك الحروب بمنطقة الشرق الأوسط، هي الحرب الأهلية اليمنية التي للأسف لم تعد حرباً أهلية، بل تعدت الحدود لتشارك فيها العديد من القوى السياسية، سواء أكانت عربية أم عالمية، أو حتى فصائل وقوى سياسية من اليمنيين أنفسهم!
الرئيس اليمني علي عبد الله صالح هو لاعب أساسي في السياسة والحرب الأهلية المشتعل فتيلها بالمنطقة هناك، إضافة إلى أنه حذر أعضاء حكومته من قرب انفصال البلاد، وتوعد بأن يلحق الهزيمة بكل من يسعى إلى ذلك، وسيفشل من يريد تجزئة وتقسيم اليمن كما أفشلهم في صيف 94.
وقد عبّر في إحدى المقابلات عن أن تقسيم اليمن سيؤدي إلى انقسامه إلى شطرين، وهو أمر من المستحيل حدوثه، والقوى التي تراهن عليه أمرها غير وارد، واليمن عبر التاريخ لطالما كان موحداً، واستطاع الإطاحة بكل الخطط والسياسات التي هدفها إثارة النزاعات والنعرات الإقليمية في المنطقة، ولا يستطيع أحد أن يفصل اليمن عن بعضه.
ومن المعروف أنه منذ أن بدأت عاصفة الحزم في نهاية شهر مارس/آذار 2015، كانت هناك ترجيحات وتخوفات من قِبَل بعض الأطراف السياسية اليمنية من أن تنتهي الحرب بدولتين لليمن، أو ربما أكثر من يعلم، حيث إنه أصبح انفصال العديد من أقاليم اليمن أمراً وارداً، وحدوثه أصبح لا شكّ فيه؛ حيث إنه ستكون هنالك دولة يمن واحدة بالشمال وثانية بالجنوب الغربي، وأخرى بالجنوب الشرقي، وتجزئة اليمن وفق أهواء جيرانها "الأثرياء"، لعدة أسباب ومصالح سياسية تعيشها المنطقة؛ حيث إنه مثلاً استطاعت المملكة العربية السعودية أن تحتل مكانة سياسية كبيرة منذ لحظة تأسيسها الثالثة عام 1932، وذلك كواحدة من أهم الدول العربية والإقليمية تأثيراً في المجال السياسي الإقليمي والدولي على امتداد المرحلة السابقة، والاقتصادية كذلك باعتبارها أيضاً دولة نفطية، أيضاً مكانتها الدينية ومساحتها المترامية الأطراف وثقلها الاقتصادي الكبير، وحضورها السياسي في كثير من ملفات المنطقة غير المستقرة.
حيث ساهمت المملكة السعودية بتشكيل الكثير من مسارات الحرب التي تحدث باليمن، حيث إنه بات من المعروف أنه وبانهيار كل من العراق وسوريا، واضطرابات الأوضاع في مصر وتراجع دورها وتأثيرها الإقليمي، أصبحت السعودية على أثر ذلك وحيدة في معادلة مختلة لصالح خصومها، خاصة إيران التي تمددت في فراغ "جيوسياسي" هائل ولا يمكن غض البصر عنه، ابتداء ببغداد ومروراً بدمشق وبيروت والقاهرة، ووصولاً بالطبع إلى العاصمة اليمنية صنعاء، العمق الاستراتيجي الجنوبي للسعودية خصوصاً، والخليج عموماً!
ومن هذا المنطلق جاء الموقف السعودي مندفعاً لتشكيل التحالف العربي في مارس/آذار 2015 والإعلان عن إطلاق عاصفة الحزم، وذلك لمواجهة المد الإيراني، على حد قولها، واستعادة الشرعية اليمنية المنقلب عليها في سبتمبر/أيلول 2014 من قِبل ميليشيات تابعة لإيران، تتمثل في جماعة الحوثي وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح؛ حيث إنه قالت وسائل إعلام يمنية، الخميس الماضي: إن ميليشيات الحوثي أعدت قائمة بأسماء قيادات عسكرية وأمنية وسياسية موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، بهدف اعتقالها، وذلك على خلفيات تهم مختلفة لم تصرح بها؛ حيث إن وسائل إعلام عديدة عربية وعالمية قد نقلت عن مصادر أن عناصر حوثية في مختلف الوحدات العسكرية قامت بإعداد الكشوف التي تشمل أسماء من قيادات الصف الأول والثاني من قوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
أيضاً الحرب في اليمن أصبحت تؤثر بشكل مباشر على النازحين والمهاجرين إلى الدولة التي تعد الأفقر في شبه الجزيرة العربية، هذا غير سوء التغذية وأزمة الطعام الحادة هناك، وتفشّي داء الكوليرا الذي حصد أرواح أكثر من ألفَي شخص، من الأمثلة على مسارات الهجرة والعودة تلك، هو قيام آلاف المهاجرين الصوماليين بمغادرة اليمن وشد رحالهم للعودة إلى بلدهم في القرن الإفريقي، وذلك في رحلة بحرية ستستغرق بين 16 و18 ساعة؛ حيث يشكل اللاجئون الصوماليون نحو أكثر من 85 بالمائة من المهاجرين الباحثين عن فرص عمل في اليمن.
لا يزال المخفي أعظم، كل هذا باعتباري أعده بسبب التدخلات التي في المنطقة، سواء كانت ذا طابع سياسي أو عسكري مباشر، أو حتى غير مباشر، كل تلك التدخلات أدت إلى الإخلال بالتوازن الإقليمي السياسي بالمنطقة، وأشعلت فتيل الحروب الأهلية بسبب تناقض وتنافس القوى السياسية الداعمة للعديد من الحركات والتيارات والجبهات المحلية المتقاتلة والمتنازعة للسيطرة على المنطقة هناك!
فهنالك دعم إيراني ودعم تركي ودعم سعودي ودعم يمني محلي ودعم إسرائيلي أيضاً، وحتماً ذلك الأمر وعمليات الإصلاح ستأخذ وقتاً طويلاً في سبيل إعادة هذا التوازن، هذا في حالة إن أرادت تلك القوى العابثة في الشرق الأوسط إعادة ذلك التوازن، وإذا لم يكن وارداً ضمن قواميس إرادتها ذلك الأمر، فإنه حتماً سينفجر الوضع في أوجه العابثين، وسيكون أمراً قطعياً أن تصلهم نتائج ذلك الإخلال في صور كثيرة، شاءوا أم أبَوا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.