في سوريا.. الكل نال نصيبه من الموت!

هل ستندمل تلك الجراح الغائرة بالمساعدات الإنسانية والاتفاقات الدولية والخطب الحماسية والقرارات الحكومية؟! الروح إذا انطفأت كيف يعود لها وهجها.. القلب إذا مات من سيحييه؟! من سيمحي الذكريات؟! ومن سيغير الماضي الذي سيلاحق هؤلاء الأطفال إلى المشيب؟!

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/07 الساعة 06:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/07 الساعة 06:38 بتوقيت غرينتش

في شارع الاستقلال بإسطنبول، أطفال سوريون يقطعون الشارع ذهاباً وجِيئةً وسط زحام المارة.. أقدامهم حافية وملابسهم رثَّة.. أحدهم يحمل في يده بندقية بلاستيكية، يصوِّب مرة في اتجاه المارة ومرة أخرى نحو صديقه في المعاناة.. يصرخ مقلداً صوت الرصاص قائلاً: أنا قنَّاص، أنا قناص.. راح أقتلكم.

الصورة تتكرر في شارع آخر، طفل سوري بالمواصفات نفسها يحمل مسدساً بلاستيكياً ويجري من دون هدف!

في شوارع العاصمة المغربية الرباط، أمام إشارات المرور وقرب المحلات التجارية الكبرى، يتوزع أطفال ومراهقون يتسولون عَطف المارّة ويستجْدون المال، قائلين: نحنا عائلة سورية يا إخوان ومحتاجين مساعدة.

كان يُفترض أن يظل هؤلاء الأطفال والمراهقون آمنين مطمئنين في قراهم أو مدنهم.. يذهبون كل صباح إلى مدارسهم ويلعبون ككل أقرانهم في العالم. لكن الحرب كان لها رأي آخر، وكبار البلد والعالم قرروا أن يصنعوا لهم مستقبلاً مختلفاً، بعض هؤلاء الأطفال تنفَّسوا قليلاً من الأمان وعاشوا شيئاً من الطفولة، بينما آخرون وُلدوا وكبروا وهم يعتقدون أن الحرب وأصوات القنابل والأشلاء والدمار هي الشكل الطبيعي للحياة.

انقضت ست سنوات منذ بدأت الحرب في سوريا، ستمضي سنوات أخرى وتنتهي لا محالة، وسيعلِن الفائزون نصرهم المضمخ بالدماء، سيتقاسم الكبار السلطة والثروة.. سيتوقف أزيز الطائرات وأصوات الانفجارات، سينتهي تدمير المدن والقرى، وسيوقّع المسؤولون عن هذه الحرب أمام عدسات التلفزيون اتفاقياتهم والابتسامات تعلو وجوههم.

بعد الحرب، ستُشيَّد المباني في أسرع وقت.. سيُجمع الركام.. سيعود الهاربون ليبحثوا عن بقاياهم وذكرياتهم، عن صورهم وعن جيرانهم، عن كل شيء، سيعود البائعون ليعلنوا عن بضاعتهم في الشوارع، ستُفتح المدارس والجامعات والإدارات.

لكن، ماذا عن الإنسان السوري.. عن الجيل القادم.. عن أطفال سوريا… الذين رأوا الموت في أحيائهم.. الذين هربوا وهم يلملمون جراح قلوبهم الصغيرة؟! من سيعيد لهم أيام عمرهم الأولى التي مضت دون أن يرتادوا المدرسة ليتعلموا القراءة والكتابة؛ بل مرت وهم يتعلمون دروساً في البقاء أحياء وقضوها في هروب كبير من الموت نحو المجهول؟!

هل ستندمل تلك الجراح الغائرة بالمساعدات الإنسانية والاتفاقات الدولية والخطب الحماسية والقرارات الحكومية؟! الروح إذا انطفأت كيف يعود لها وهجها.. القلب إذا مات من سيحييه؟! من سيمحي الذكريات؟! ومن سيغير الماضي الذي سيلاحق هؤلاء الأطفال إلى المشيب؟!

سوريا ماتت ولن تحيا الا بعد جيلين، هذا إن أُريد لها أن تحيا مجدداً… جريمة الحرب أكبر وأبشع من القتلى والمعطوبين وركام المنازل.. والذين ارتكبوها قتلوا الحاضر ويتعمّدون تدمير المستقبل، لقد قتلوا الجميع.. الذين سقطوا تحت الدمار والذين استقرت الرصاصات والقنابل في أجسادهم.. وحتى الذين نفذوا بأرواحهم وهاجروا نالوا نصيبهم من الموت.. يحملونه معهم حتى وهُم أحياء…!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد