ما فعل بك الحاضر يا دمشق؟!

هناك حيث تطوف اليمامات حول مئذنة لا شيء يعلوها سوى أصوات التكبير؛ حيث النسائم تفسح عبق الصدور، والسماء الزرقاء تروي النفوس الجافيات، والسحابات البيضاء الناصعة تثلج الصدور.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/26 الساعة 03:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/26 الساعة 03:08 بتوقيت غرينتش

هناك حيث تطوف اليمامات حول مئذنة لا شيء يعلوها سوى أصوات التكبير؛ حيث النسائم تفسح عبق الصدور، والسماء الزرقاء تروي النفوس الجافيات، والسحابات البيضاء الناصعة تثلج الصدور.

هناك حيث تتحد الغيوم وتهطل حبات المطر التي لا تهطل وحيدة إلا ومعها السكينة والطمأنينة، هناك حيث الهواء الحر طليق يدخل في مسامات الجلد؛ لينعش كل بأس يكاد يترسخ في مفكرتنا.

هنالك حيث أحجار الجدران يتوكأ عليها الأطفال والشيوخ والغرباء.
والشمس دفؤها كدفء الأم لطفلها، وأشعتها الذهبية السحرية تخرق دموع الحزن والفرح لتجعل من الدمع لؤلؤاً يضيء ما تحت الثرى.

وأما عن الأرض فهي خصبة للمحبة وقاحلة للظلم طاهرة حنونة، رقيقة على أقدامنا القاسية.

أما عن سلسبيلها فإنه لا يروي ظمأ العطشان فحسب، بل يروي الشوق والأمل ويبعث على الإخلاص.
وأما عن أوتاد الأرض فيها فهي شامخة وكأنها تحميها من كل جانب.

هنالك حيث الأنهار والينابيع فهي رقراقة تشق سبيلها لتصل إلى أصقاع الأرض، سهولها الخصبة الخضراء التي تُحيي النفوس وتبعث براعم من الرقة والحب؛ تحيا على غصن الحياة الذي يتغذى من صدره الرحب، ويبني صروحاً من الأمل والسلام والحنان والإسلام، إنها أم الياسمين الأبيض الفواح لا يستنشقه عليل إلا ويرتاح.
أتعلمون مَن هي إنها (دمشق) في الماضي؟
فلا شيء كان يشبه دمشق.
دمشق الآن تتألم ولا تتكلم، لا أحد يسمع صوت نحيب دمشق سوى أبنائها.
إن صوتها قد أصبح مبحوحاً وهي تنادي واامعصتماه.. الدخان الأسود قد أعمى عينيها، عبراتها جفّت من مقلتيها.

سماؤها أنهكتها الطائرات، منذ سبع سنوات قد مضت قمنا بثورة تطالب بالحرية والكرامة بدأها أطفالنا؛ ليكملها شبابنا، الكل دفع الثمن فمن لم يدفع الثمن بجسده فدفعه بعائلته أو ببيته.

الجميع تجرع من كؤوس العلقم التي لا تكاد تنتهي ليملأها من جديد، ضحّينا بالكثير لم يعد هناك شيء لنخسره ولربما ربحنا الكرامة.

صنابير الدماء التي ما زالت مفتوحة، فقد استقت الشام من دماء أبنائها بالرغم عنها، فمعقل الظلم وعقره بات في دمشق، سنعمد أن نحررك من الكفر والطغيان، وسنصل إليك مهما كلف وكان، سبع سنوات والشام والشعب يئنان.

لم يستطِع كل الشعب أن يصمد فلكل شخص له طاقة، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
فالبعض اضطر للخروج من وطنه سلامة على نفسه، فمن هنا بدأنا بالانذهال، كل العرب خذلونا لم نعد نصدق أحداً أبداً.

باتت كلمة العرب ترمز إلينا: العين عار، والراء رياء، والباء بأس، كل هذا أصاب العرب وأعيانا.

سئمنا الاجتماعات فحتى اللاجئون لم يقبلوا أن يستضيفونا، نحن الذين استقبلنا الفلسطينيين والعراقيين واللبنانيين، ولم نضعهم في المخيمات بل فتحنا لهم البيوت وأكثر، نحن لم نتزوج بناتهم غير القاصرات، نحن لم نستغلهم ولم نضعهم في الصحراء لم نشعرهم أنهم غرباء كل ذاك وأشد.

لن أشهد الناس عليكم لا… سأشهد ربي والتاريخ.
دوّن يا تاريخ دوّن، وإن جف الحبر فاكتب بدمائنا، اكتب أن السوريين ضاقت بهم بلادهم فلم يستقبلهم العرب إنما استقبلهم الغرب، ولم يستقبلهم الغرب؛ لأنهم يشفقون عليهم، بل لأن مصالحهم قد تتفق مع جل السوريين. يا لَلخزي والعار مكة أقرب إلينا من ألمانيا، فمكة لم تفتح أبوابها لنا سجّل يا تاريخ سجّل.

سنثور حتى نصل إلى حضنك يا دمشق، وإن متنا ستثور أرواحنا فنحن في سبيل الله أحياء.
دمشق سر ابتسامتي.. وبهجة مقلتي فيك راحت نفسي وجلاء همي.
نعم هرمتِ يا دمشق فالذي أصابك لم يصب أحداً قط.

إن الفيلسوف العربي ابن خلدون يقول: كل دولة تصل إلى عزّها ثم تهرم وتنهار لتنهض من جديد، فكوني مستعدة للنهوض دهوراً.
ارجعي كما كنت يا دمشق.. أيها الشام اصبري لحكم ربك فإنك بأعيننا.
دمشق اصبري، فإن الله تكفل بالشام، وإن ربي صادق الوعد مهما طال الأمد، فاعلم أن النصر قادم لا محالة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد