سيادة المناطق المتنازع عليها

ولقد كان استعمال مصطلح المناطق المتنازَع عليها في الدستور العراقي عام 2005 بمثابة انطلاقة لقبول الأمر الواقع في قبول الجدل حول تلك المناطق؛ حيث يهدف قادة الأحزاب الكردية إلى تحويل المناطق المتنازع عليها إلى قطب اقتصادي وسياحي أسوة بأربيل والسليمانية، تضاهي باقي محافظات الحكومة الاتحادية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/18 الساعة 07:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/18 الساعة 07:54 بتوقيت غرينتش

تحظى أزمة استفتاء كردستان باهتمام دولي وإقليمي، في محاولة لمقاربة شمولية بين بغداد وأربيل، تأخذ بعين الاعتبار الشرعية والقانون الدوليين، المصالح والمطالب الاجتماعية والاقتصادية التي تعبّر عنها الديموغرافية السكانية المحلية في المناطق المتنازع عليها، سواء بطريقة الاستفتاء المباشر أو عبر الشخصيات المنتخبة وممثلي حملات المجتمع المدني، إلى تقديم إطار شامل حول مسألة تقرير مصير تلك المناطق وسكانها، والحلول الممكنة لتجاوز الاختلالات والتصادم العسكري الذي عكّر إدارة وتدبير بعض المناطق في هذه الجغرافية على مدى السنوات الثلاث الأخيرة.

ومن المنتظر أن يقوم الدكتور العبادي خلال زيارته للجمعية العمومية بعدة لقاءات مع الرئيسين التركي والإيراني وممثلي الدول الكُبرى لتقديم اقتراحات ستكون بمثابة خارطة طريق لعلاقة بغداد بالإقليم في المرحلة القادمة.

ولقد كان استعمال مصطلح المناطق المتنازَع عليها في الدستور العراقي عام 2005 بمثابة انطلاقة لقبول الأمر الواقع في قبول الجدل حول تلك المناطق؛ حيث يهدف قادة الأحزاب الكردية إلى تحويل المناطق المتنازع عليها إلى قطب اقتصادي وسياحي أسوة بأربيل والسليمانية، تضاهي باقي محافظات الحكومة الاتحادية.

وكشفت الأحداث الأخيرة عن الجهود المبذولة لاستفادة حكومة وقيادة إقليم كردستان من استثمارات كبيرة داخل هذه الجغرافيا، للنهوض بهذه المناطق وتزويدها بالبنيات التحتية والتجهيزات الضرورية، وبالتالي توفير عيش أفضل لساكنة المناطق المتنازع عليها تمهيداً لاستقلالها عن المركز.

المناطق المتنازع عليها التي يسكنها قرابة 10 بالمائة من تعداد سكان العراق، في صلب المخططات السياسية والسيادية لحلم الدولة الكردية، والتي أُهملت من قِبل الحكومات الاتحادية المتتابعة في بغداد وبالتالي هي تحتاج دعماً من قِبل الاستثمار الخاص والمبادرات الكردية الفردية والحكومية لتحقيق نمو كالذي تشهده باقي مناطق إقليم كردستان التي حققت معدلات نمو مهمة، بفعل تضافر جهود مختلف الفاعلين الإقليميين والأوروبيين والخليجيين.

إن التغيير الذي حصل في حياة أبناء المناطق المتنازع عليها بعد احتلال داعش 2014 انعكس على حياة العرب السّنّة والتركمان والإيزيدية والمسيحيين والكاكائية بخسارتهم ثرواتهم والكثير من أبنائهم وهزيمتهم سياسياً أمام التحديات الكبيرة والجدل بين بغداد وأربيل.

وضغطت اللوبيات الكردية عليهم من أجل إسناد استفتاء كردستان؛ نظراً لوجود غالبهم كنازحين ومهجّرين في مناطق الإقليم بالدرجة الأولى منذ يونيو/حزيران 2014 بعدما فشلت حكومة بغداد في التعامل معهم بحيادية، وقد نجح اللوبي الموالي لأحزاب الكرد في إقناع الزعامات العشائرية العربية بأن المناطق المتنازع عليها سوف تدار بالمشاركة، وأن دولة كردستان دولة مكونات وليست دولة قومية، والنزاع القائم على سيادة هذه المناطق الذي لم تحسم فيه بغداد وأربيل الأمر يحتاج إلى فرض سياسة الأمر الواقع عبر الوسائل السلمية والديمقراطية.

كركوك قدس كردستان العراق والسيادة عليها هي نقطة صفرية للحرب بين بغداد وكردستان؛ المقاربة الكردية للاستقلال ترتكز على أساسين: الأول أن تسوية النزاع على كركوك والوحدات الإدارية المتنازع عليها لا يمكن أن تكون دائمة إلا إذا ضمنت السيادة الكردية الكاملة عليها وفي إطار هذه السيادة يستطيع العرب والتركمان والأقليات الأخرى، بمن فيهم جبهة المسيحيين والإيزيديين ممارسة كل أشكال المشاركة السياسية والحكومية‪.‬

والأساس الثاني أن حكومات نينوى وصلاح الدين وديالى وواسط هي الطرف المعني بالنزاع تسوية أو تصعيداً، وأن التطور في العلاقات الثنائية بين تلك الحكومات وكردستان مرتبط بموقفها من انضمام المناطق المتنازع عليها للإقليم.

إن مجال السيادة يعني عدم المساس بالمصالح العليا لديموغرافية وجغرافية تلك المناطق دستورياً، ومن أهمها:

الوحدة الجغرافية التي تعني تلك الرقعة الجغرافية التي تبقى حكراً على حكومات تلك المحافظات بسريان القانون في كل شبر من تراب هذه الرقعة أو تلك من العراق.

كما هو الشأن بالنسبة للعلم العراقي الذي يسود على جميع البنايات والمؤسسات على جغرافية العراق، وكذلك العملة النقدية وكذلك نظم الإدارة المعمول بها باسم العراق.

السيادة لا تفوض للمحافظات ولا للأقاليم، بل تبقى حكراً على المركز، وحصراً بيد الحكومة الاتحادية وعاصمتها، مثلاً مسألة إبرام الاتفاقيات الدولية والمصادقة عليها، تتم باسم الدولة حسب الدستور، والأعراف الدولية والممارسات العالمية، كما تمارس الدولة كل المهام المرتبطة بمسألة رسم الحدود، بِحُرية، كانت برية أو بحرية أو جوية، وأيضاً للدولة مزاولة كل المهام المتعلقة ببيع النفط والثروات المعدنية وبيع وحيازة واستخدام السلاح، دون أي جهة أخرى داخل الجغرافيا العراقية، كما للدولة أيضاً ممارسة كل المهام المتعلقة بالمحافظة على السلامة الإقليمية من أي محاولات انفصالية، سواء من داخل الإقليم أو من خارجه، وتبقى الدولة هي المالك الوحيد للقرارات المتعلقة بالسيادة الوطنية وكذا النظام السياسي المعمول به الذي يتطور باستمرار عن طريق الإصلاحات البرلمانية والحكومية للمجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

إن المناطق المتنازع عليها لا ينتظرها مستقبل واعد من الناحية الاقتصادية والأمنية بالنظر إلى كونها خط التماس بين بغداد وجنوب كردستان، وبالتالي لن تنال حقوقها من الإمكانات والثروات التي تتوفر فيها، لكن ذلك كله يرتبط بمدى حسم المسئولين وأبنائها موقفهم "مع أو ضد" وتجاوز الخرائط والمواقف السابقة، وتكريس رؤية مستقبلية تقوم على أساس المصالح مع سياسة المشاركة في حكم تلك المناطق، أو حتى إعلان واستحداث أقاليم ومحافظات جديدة بحسب الضوابط الدستورية والقانونية، وتبنِّي آليات الحوار والتكافل بين بغداد وكردستان.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد