أرطغرل وبزوغ شمس الدولة العثمانية

وفي موقعه الجديد، سيطر أرطغرل على الطريق التجاري الذي يربط المناطق البيزنطية الغربية بالشرق بكل مكوناته من أيوبيين وسلاجقة وتركمان ومغول، الأمر الذي جعل منه زعيماً وقائداً فريداً شدّت له القبائل الرحال، وانتقل لمنطقة نفوذه التجار الباحثون عن الأسواق، وانضمت له المجموعات الراغبة بالغزو والجهاد وأولئك الباحثون عن الأمن والاستقرار.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/11 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/11 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش

لم يكن يدور بخلد أرطغرل بن سليمان شاه، زعيم قبيلة الكاي، وهو ينتقل بها من جبال كردستان إلى سهول الأناضول بحثاً عن المأوى الآمِن والرزق الوافر والمرعى الأخضر، أن هذه القبيلة التركمانية التي لم تجد المستقر بعد ستكون نواة دولة تجمع الأباعد وتقرب الخصوم وتحتضن الأقليات، ويخرج من رحمها ستة وثلاثون سلطاناً يحكمون لمدة ستة قرون أنحاء واسعة من قارات العالم القديم الثلاثة (أوروبا وآسيا وإفريقيا)، وسيخضع لها كامل آسيا الصغرى وأجزاء كبيرة من جنوب شرق أوروبا، وغربي آسيا، وشمالي إفريقيا؛ ليصل عدد ولاياتها إلى 29 ولاية؛ لترتفع الروح المعنوية للأمة الإسلامية جمعاء، وتعود لها هيبتها بعد أن ضاعت في المشرق على يد المغول، وفي المغرب على يد الإسبان والبرتغاليين، وفي الداخل على يد حكام متآمرين متصارعين.

بعد أن كان الخلفاء في عهد بني أمية وحتى نهاية عصر بني العباس عرباً أقحاحاً، جاءت الخلافة العثمانية بقيادة الأتراك الذين وصلوا لبقاع لم يصلها العرب من قبلهم، فأصبح الإسلام في عهدهم عالمياً، واستحقوا شرف الخلافة وولاية أمر المسلمين، بفضل نشرهم للإسلام ووقوفهم في وجه العدوان الصليبي والغدر الصفوي والتوحش المغولي في تلك الحقبة، وذلك لم يكن ليتحقق لولا الحاجة المصيرية والقيادة الحكيمة التي استطاعت أن تجمع أجناساً وعِرقيات مختلفة تحت راية واحدة، رغم اختلاف منابتهم وتنوّع عروقهم، فوجدوا ضالّتهم في قادة وسلاطين وضعوا نصب أعينهم تحقيق العدالة في الأرض وردّ الحقوق ونصرة المظلومين ونشر الدين الحنيف، بدءاً من عهد أرطغرل بن سليمان شاه وحتى آخر سلاطين الدولة العثمانية.

ينتمي أرطغرل لقبيلة الكاي التركمانية التي كانت تقيم بين دجلة والفرات في عهد زعيمها كندز آلب قريباً من أخلاط في منطقة الأناضول الشرقية، ثم وبسبب هجمات المغول التي عصفت بالمنطقة حينها، سكنت القبيلة في كردستان في عهد سليمان شاه بن كندز آلب، قبل أن يقرر أرطغرل بعد وفاة أبيه سليمان شاه الانتقال بالقبيلة غرباً نحو حدود الدولة السلجوقية مع بيزنطة بعيداً عن غزوات المغول أيضاً وحملاتهم المتكررة على مناطق التركمان.

وخلال مسيره مع قبيلته نحو الغرب، تفاجأ أرطغرل بغبار يلوح في الأفق وتناهى لسمعه صوت صليل سيوف لا ينقطع، وصهيل خيول تهتز له القلوب، فلما اقترب أكثر من ساحة الموقعة شاهد قتالاً شرساً بين فريق من المسلمين وآخر من البيزنطيين، ورجحان كفّة الفريق الثاني واقترابه من تحقيق نصر ساحق على الفريق الأول، فقرر حينها أرطغرل ومن دون تردّد خوض غمار المعركة بفرسانه الأربعمائة؛ ليلقي الرعب في قلوب جيش الروم، ويرفع معنويات جيش المسلمين، فأعمل فيهم السيف والرمح حتى انجلى غبار المعركة عن نصر ساحق للجيش المسلم، وهزيمة ساحقة للروم ومقتلة عظيمة فيهم، وعندها فقط علم أرطغرل أنه كان سبباً في نصرة جيش الأمير علاء الدين كيقباد الأول السلجوقي، فكافأه الأمير بأن أقطعه أرضاً من دولته على حدود بيزنطة آنذاك، وصار يعتمد عليه في حروبه ومواجهاته مع أعدائه.

وفي موقعه الجديد، سيطر أرطغرل على الطريق التجاري الذي يربط المناطق البيزنطية الغربية بالشرق بكل مكوناته من أيوبيين وسلاجقة وتركمان ومغول، الأمر الذي جعل منه زعيماً وقائداً فريداً شدّت له القبائل الرحال، وانتقل لمنطقة نفوذه التجار الباحثون عن الأسواق، وانضمت له المجموعات الراغبة بالغزو والجهاد وأولئك الباحثون عن الأمن والاستقرار.

حرص أرطغرل على شنّ هجمات على الأراضي البيزنطية القريبة من حدود قبيلته، فوسع المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها، حتى وصل لقرية سوغوت عام 1231م واتخذها مشتى لقبيلته كما اتخذ مدينة دومانيتش مصيفاً، وهو المكان الذي دفنت فيه والدة أرطغرل هيماه أنّا.

استمر أرطغرل في زعامة قبيلته حتى عام 1279م عندما تنازل عن قيادة القبيلة لولده الغازي عثمان، مؤسس الدولة العلية العثمانية، قبل أن يُتوفى في عام 1281م عن عمر ناهز التسعين عاماً؛ ليُدفن في مدينة سوغوت، وقبره معروف هناك ويُزار.

أما عثمان فإن لتاريخ ولادته رمزية تاريخية معروفة فقد وُلد سنة 1258م، وهو ذات العام الذي سقطت فيه بغداد على يد هولاكو، ولهذا الربط دلالة أشار لها كثير من المؤرخين في سقوط خلافة إسلامية وبزوغ نجم خلافة أخرى على يد عثمان الأول؛ ليحمل إرث الخلافة، ويوجّه دفّتها في فترة من أكثر فترات التاريخ تعقيداً، وسط حملات الصليبيين من الغرب، وهجمات التتار من الشرق، والمؤامرات الداخلية وتفرّق كلمة المسلمين.

بعد توليه زعامة قبيلته، بدأ عثمان الأول بتوسيع كيانه الصغير حتى وصل إلى سواحل بحر مرمرة والبحر الأسود، وعندما أسقط المغول دولة السلاجقة وقتلوا السلطان علاء الدين وابنه، ضم عثمان أراضي السلاجقة لإمارته الصغيرة وتأسست بذلك الدولة العثمانية، ثم أعلن بورصة عاصمة له في عام 1326م، كما استطاع عثمان صدّ جميع الحملات البيزنطية المتكررة على حدود دولته الناشئة وقضى على تحالفات ملوك أوروبا في أكثر من معركة.

كان عثمان حريصاً على قادة جيشه أصحاب الفضل والسبق في الفتح والانتصارات، فكان ينعم عليهم بالعطايا والهبات ومنهم تورغوت آلب الذي فتح قلعة إینه‌ كول، فمنحه القلعة ولِذلك سُميت البلدة فيما بعد طورغود تيمُناً بهذا القائد البطل، لا سيما أن عثمان عاش حياة بسيطة بعيدة عن البذخ، وكان يعتبر أنَّ الأموال والغنائم من حق جميع أفراد رعيته، فكان لا يستأثر بها بل يشاركهم بها.

يشهد التاريخ أن راية الجهاد بقيت مرفوعة في الدولة العثمانية منذ عهد أرطغرل وفي عهد عثمان المؤسس وحتى نهايتها، حتى طوت تحت جناحها دول شرق أوروبا، ودخل في دين الله الملايين من المسيحيِّين هناك، فتابعت مسيرة الفتح الإسلامي ووصلت القسطنطينية، وتحققت بها بشارة نبي هذه الأمة، وأسقطت الإمبراطورية البيزنطية، وأوقفت المد الصفوي وأنقذت أرواح الآلاف من مسلمي الأندلس، ووسعت رقعة الخريطة الإسلامية، وبعثت روح الفتح بعد توقف لخمسة قرون.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد