نينوى بين النصرين: الموصل وتلعفر

أين ذهبت خرافة البغدادي المتوحشة في مركز تلعفر والمحلبية؟ في أسبوع لم يبقَ لهم موطئ قدم، أين من زعم بيعة الموت؟ وأين هو أبو الحسن المهاجر الذي لم ينعَ زوال طغيانهم ونفوق خاصة قياداتهم؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/29 الساعة 05:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/29 الساعة 05:00 بتوقيت غرينتش

أين ذهبت خرافة البغدادي المتوحشة في مركز تلعفر والمحلبية؟ في أسبوع لم يبقَ لهم موطئ قدم، أين من زعم بيعة الموت؟ وأين هو أبو الحسن المهاجر الذي لم ينعَ زوال طغيانهم ونفوق خاصة قياداتهم؟

بيّض الله وُجوه كل القوات المشتركة العراقية قيادة ومقاتلين، ولولا همة قوات الحشد الشعبي في تحريك الجبهات بتلعفر والبعاج والقيروان والحضر منذ 8 شهور لما كان مركز تلعفر اليوم محرراً بالكامل.

وحدات داعش كانت في وضع شبه مطوق داخل أحياء مركز تلعفر، التي تنتشر على مساحة صغيرة جداً 20-21كم2، بحيث كانت غير قادرة على المناورة إلا في اتجاه الشمال الغربي من جهة العياضية.
وهذا الأمر يعتبر كارثياً على مستوى معنويات داعش التي تعاهدت على بيعة الموت بحسب إصدار أعماق الأخير.. فهي غير قادرة على المبادرة والمفاجأة، بسبب تركيزها على مساحة محدودة، وافتقارها لعمق المناورة.

هناك بنك من المعلومات عن أدق تفاصيل التواجد الداعشي في تلعفر وسلاح الجو يعتبرهم صيداً سهلاً كونها أهدافاً واضحة وثابتة غير متحركة.

جميع طرق الإمدادات معزولة، طريق المحلبية – الكسك والمحلبية – شيخ إبراهيم، والعياضية – سنجار، وكانت منطقة المعركة مطوقة بـ270 درجة.

معركة الكماشة من الشرق والغرب التي نفذتها قوات عمليات "قادمون يا تلعفر"، مكنتها من أن تتوغل في منطقة السايلو وحي السراي التي تعتبر المناطق الأصعب في أحياء تلعفر، وهذا يعني أن استعدادات داعش خلال 8 شهور تم إنهاكها واستنزافها بفضل حصار قوات الحشد الشعبي.

عندما أعلنت معلومات عن قرب معركة تحرير نينوى سارعت اللجنة المفوضة ورئاسة ديوان الجند في داعش إلى نشر وحدات معرقلة في سهل نينوى والساحل الأيسر، وأمرت قسم الأمنية "مؤتة" بالتخلص من القسم الباقي من السجناء والمختطفين، وطلبت من مؤسسة الفرقان الإعداد لخطاب صوتي للبغدادي في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 وطالبت وحدة التطوير والتصنيع العسكري باستخدام طائرات الدرونز المفخخة والحاملة لعبوتين، للقيام بعملية استباقية ضد القوات العراقية المشتركة، التي نجحت بالتوافق مع أربيل وفتح جبهة مباغتة من مخمور والخازر ووانة وبعشيقة، وكان هذا لوحده مفتاح النصر.

هاجموا مواقع الوحدات المعرقلة لداعش في سهل نينوى، كما قضوا على مواقع أخرى في غرب القيارة، حينما انطلقت عمليات قاطع الحشد الشعبي، وقبضوا على أفراد من القيادات الميدانية والوسطى ومن غيرها.

كان الهدف من هذه العملية الكبرى تكسير جماجم الخلافة المزعومة، وفعلاً تحقق ذلك، وتحقق تعزيز وضع قوات الحشد الشعبي عسكرياً بالحصول على انتصارات عظيمة في مساحة صحراوية وجغرافية معقدة وظروف بيئية عسيرة، حيث بلغت المساحة المحررة 7000كم2.

كانت قيادة داعش أمام خيارين في معركة تلعفر؛ خيار المدينة القديمة التي دمرت بنسبة 92‎%‎ والرمادي التي دمرت بنسبة 84‎%‎؛ حيث تم تدمير المدينة والانتقام من أهلها أمام آلة حربية صلبة وقوية، أو خيار سهل نينوى والفلوجة، وهو المغامرة بالانحياز إلى عمق استراتيجي وحماية المدينة من الدمار، فإما المضي في المعركة ببيعة الموت حتى سقوط عدد هائل من القتلى، والدخول في استنزاف لا تحتمله الموارد البشرية لداعش بعد هزيمة الموصل.

وإما السماح بخروج قياداتها ونخبة مقاتليها إلى العياضية، ثم التسلل إلى غازي عنتاب أو النزول إلى دير الزور عبر قوافل النازحين، أو حتى باتفاق سري كالذي تعقده استخبارات حزب الله اللبناني واستخبارات الحرس الثوري الإيراني مع داعش حالياً بنقلهم من الغرب السوري إلى الشرق السوري، لحفظ حياة المدنيين والبنية التحتية للمدينة، وما بقي من المخطوفين والسجناء، فتتحقق أهداف العملية بأقل قدر من الخسائر والأضرار.

ويبدو لي أن قيادة داعش لا تزال هي من تمتلك زمام الأخذ بمبادرة عملية الانسحاب، تحت ظل اتفاقية استخباراتية، وهي من تفرض عقوبتها على المدن السنية والكردية التي لم تنسجم معها، فتعاقبها بجعل سكانها دروعاً بشرية وعمرانها خنادق وسواتر، وجر قوات التحالف والقوات البرية العاملة معها إلى معركة الأرض المحروقة.

كانت داعش ولا تزال هي من تملك الخيارات في معركتين؛ معركة المدينة القديمة التي دمرت وتمت معاقبة أهلها، وبين معركة تلعفر والمحلبية والتي كانت الغنيمة الباردة والنصر الخاطف إكراماً لأهلها الموالين لداعش: واحدة انتقاماً من أهلها متيقنة سفك دماء أهلها، والثانية المحافظة على المدينة وأهلها كونهم خزيناً استراتيجياً، ولا مجال لهدر دماء موالية قد يحتاج لها في معارك تالية مع القوات المحررة.

تحولات كبيرة في تكتيك الوحدات الانغماسية لداعش؛ حيث عادة لها القدرة على اختراق حواجز ومربعات أمنية حصينة ومعاقل شديدة الحراسة في صلاح الدين وشمال شرق ديالى وشمال غرب الأنبار، ويؤكد لنا ذلك ما حصل في تل جمونة وعكاشات وقرية إمام غربي وطوزخورماتو وقرى الكاكائية ومطيبيجة قبل معركة تلعفر وخلالها.

هذا النوع من العمليات المعقدة لا يحسن القيام به سوى من تراكمت لديه خبرات، وتوافرت لديه إرادة قتال وتضحية، وكانت جبهة النصرة سابقاً رائدة.

من متابعتي لتكتيك الكر والفر، فإن الحلقة الصلبة المحيطة بالبغدادي من ضباط الجيش والأمن والمخابرات السابقين ممن يجيدون حرب العصابات بتكيك الحروب الهجينة قد قتلوا جميعاً عدا أبو يحيى العراقي، إياد الجميلي، وهو الشهير بترتيب اتفاق مخابراتي مع دولة أو كيان مجاور يكون قاعدة إسناد لوجيستي لعملياتهم التعرضية القادمة، في معركة أيمن الموصل العديد من سلم نفسه كرها إلى القوات العراقية كان أكثر من 108 مقاتلين وقيادييين ميدانيين داعشيين، وفي معركة تلعفر عدد ممن سلم نفسه لقوات البيشمركة 83 داعشياً منهم 12 ناطقاً بالروسية و5 ناطقين بالفرنسية ضمن تنسيق مخابراتي محلي ودولي، وهذا أيضا تحوّل جديد لداعش بالتفاوض مع الدول المجاورة، واللعب على تفاوت المصالح.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد