عياشي/ انفصالي: خلاف سياسي حول حراك الريف يحول المغرب لسُنة وشيعة

إن جوهر المشكلة هو التفهم، هناك أزمة "الآخر" التي لم تستطِع العقلية الشرقية العربية المغاربية أن تتجاوزها، نحن لا نتعرف على "الآخر" - المختلف عما هو معتاد - إلا كعدو.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/17 الساعة 03:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/17 الساعة 03:15 بتوقيت غرينتش

بتصاعد حراك الريف، صعدت معه كذلك مصطلحات مستجدة على قاموس الكلام المغربي الدارج، ويتعلق الأمر باصطلاحين يعريان سلسلة من الدلالات السياسية والاجتماعية كذلك.

أول مصطلح هو "الانفصالي" الذي كان متداولاً كصيغة خارجية مرتبطة بالبوليساريو، لكن نراها الآن تنعكس نحو الداخل، على اعتبار أن هناك من تعتريهم الرغبة بفصل أنفسهم عن الهوية المغربية: وهي هوية تعلو على اللغة والدين والانتسابات القبلية حتى نكون واضحين.

المصطلح الثاني وهو "العياشي"، صياغة اشتقاقية من "عاش الملك"، يحمل إشارة نحو الاستكانة والرضا بالأوضاع الاجتماعية كيفما كانت ومهما بلغت من سوء، دون انتقاد للنظام القائم.

دوافع هذين المصطلحين نابعة من شعور بالتهديد، مهما اختلفت جوانب المقاربة: فـ"الانفصالي" هنا تصبح تهمة موجهة لأي مظهر من مظاهر الثورة، طالما أن تاريخ الانتفاضات الحديثة (الربيع العربي) أبرز اختلالات صارخة باستقرار بعض المجتمعات، يتم إسقاط تلك السيناريوهات على واقع المجتمع كتصور، لتنفجر المخاوف – لدى رؤية أي دلالة على الانتفاض – بتحول الواقع الحالي لواقع مجتمع الحرب والفصائل الإرهابية ومخيمات اللاجئين! طبعاً السبب هنا مرتبط بفقر في المرجعية السياسية – حيث لكل مجتمع ماضٍ وخصوصيات تؤثر في تبلور مستقبله ونتائج تغيره – زيادة على تدخل الإعلام الذي يتلاعب بعقلية المشاهد مرة عبر البتر والتضخيم ومرة بالاستعانة بنظريات التآمر.

"العياشي" بالمقابل، صفة تلصق بكل من يعزز إبقاء الأوضاع الراهنة بشكلها الساكن، عاش الملك تتم قراءتها كـ"عاش الوضع القائم"، وطبعاً لفهم حراك الريف كرد فعل منتفض، فهو تعبير رفض الواقع الثابت الذي يصبح خانقاً كثبات المستنقع، بما أن كل انتفاض هو رفض.

لحل هذه الإشكالية: يجب أن نستوعب، أن معايشتنا لنفس الوضع أو بنفس الجو السياسي، فهذا لا يختلف بتاتاً عن عيشنا بنفس البيت، نفس الوضع/الجو لكن هذا لا ينفي التمييز (جانب كبير من الطب النفسي يربط الأزمات النفسية بهذا المعطى: تمايُزات جو النشوء). فإذا انتفض أحد الأفراد على اعتبار أنه يتعرض للإهانة والتمييز، فهذا لا يعني أنه يريد أن يلتحق بعائلة أخرى: بل يعبر عن اختلال داخلي، عن ألم بتعبير أعمق. وإذا عاب فرد آخر هذا السلوك، فهذا لا يعني بالضرورة أنه يعبد الأب/الأم إنما رد فعله الطبيعي على وضعه المريح.

إن جوهر المشكلة هو التفهم، هناك أزمة "الآخر" التي لم تستطِع العقلية الشرقية العربية المغاربية أن تتجاوزها، نحن لا نتعرف على "الآخر" – المختلف عما هو معتاد – إلا كعدو.

ترتبط أزمة الآخر بأزمة الاستعمار: فعندما غادر الاستعمار الذي زعزع سكون القبائل والممالك، لم يغادر معه التوجس، ظل العدو كتصور يتحين الفرصة ليظهر في أي جهة، مرة في النظام، مرة في المعارضة، مرة في كليهما معا كوحش مسرحي يلعب دورين. والشعب؟ هذا ما سنعود له بعد حين.

كي نتخلص من هذا التراشق الرجعي، يجب على العقلية المغربية أن تدرك أن الثورات على غرار كوبا كاسترو وروسيا لينين متجاوزة تاريخياً، مستحيلة في هذا البلد، مهما بلغت حدة حراك الريف لن تصل لتلك الصورة: فالوضع السياسي كان متزعزعاً وفوضوياً، الانتفاض كان مسلحاً، مشاريع طوباوية بديلة (الاشتراكية/الشيوعية)، كانت هناك الحرب العالمية وتأثيرها، سنوات من التخطيط وتشكيلات لجانية داخلية وخارجية، رهان شعبي.

هذا السيناريو كمفهوم ثوري صار متجاوزاً بل مثيراً للسخرية كما يشير فوكو؛ فقط عقليات ما قبل غرامشي لا تزال تحلم بهذه المشاهد البطولية الهزلية.

لا يمكن للمغرب أن يكون كسوريا، موقع سوريا وتاريخها السياسي، الانقسام الطائفي، حرب الحدود، الجماعات المسلحة، ما يحدث في سوريا خاص بسوريا، نقطة وكفى، فالأمر شبيه بتخيل المغرب يصبح كفلسطين بسبب مظاهرة في الحسيمة!

بالنسبة لمن يعبرون عن حبهم واعتزازهم بالملك، سواء بمستويات معتدلة أو مفرطة، الأمر في نظري مثل الهنود الذين يعبرون عن حبهم لغاندي. إنها سيكولوجية الرموز الشعبية، أمور تظل موضوعية من الجانب السياسي؛ لذا مقاربتها يلزم أن تأخذ الطابع النفسي.

بالنسبة للشعب، فكما يقول جوزيف دو ميستر Joseph de MAISTRE "كل شعب يستحق الحكومة التي تحكمه" (مقولة تنسب لتشرشل)، يجب أن ننضج لفهم أن أي وضع سياسي هو مسؤولية وتشارك جهات، هناك مشكلة أيضاً في الشعب ولا أحتاج لتفصيل السلوكات والتمظهرات اليومية التي تدفع لليأس وخيبة الأمل في الدفاع عن مصالحه أو التحدث عنه.

إن الإشكال هو نحن، فانتقاد القصر، الحكومة، الداخلية، الشعب، هو انتقاد للذات، فانتقاد أي جهة هو انتقاد لنا جميعاً، طالما أن كل مواطن مغربي له مسؤولية وحق في هذا البلد، بما في ذلك حق النقد. فليكف البعض عن تصوير أي انتقاد على أنه استهداف لشخص الملك، ومحاولة الظهور الكاريكاتورية بالمدافع وحامي حمى الملة والدين الغيور على بلاد المسلمين (هناك أديان في المغرب للإشارة)! ويجب كذلك على البعض التوقف عن التمسك بأسطورة المخزن (البعبع الخرافي من زمن الرصاص) كأنه جهاز KGB المخابراتي الروسي، فمسؤولو السلطة وأعوانها هم أبناء الشعب، صغارنا وتربيتنا، لا يأتون من الصين!

لكل مواطن الحق في التغني بشخص الملك أو بأي شخص أو جهة، ومن جانب آخر من حقه أن ينتفض عند شعوره بأدنى مستويات الظلم، هذا هو مفهوم الدولة التي تتأسس على الاحترام والكرامة والعدالة والحرية.. وما دون ذلك يبقى مجرد شكليات.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد