الإصلاح المنشود

الإصلاح كلمة يتم انتهاك اشتقاقاتها من ألسنة المدعين المنتشرين على بساط بلاد العرب وغيرها هنا وهنالك، كلمة انحسرت عن دلالتها العميقة المؤثرة إلى مفردة جوفاء منزوعة المضمون والجوهر، كلمة لطالما تشدق بالانتماء لها وادعى الارتماء على أحضانها تجمعات المدنية بمختلف محاضنها ومشاربها الفكرية المتنوعة ومقاصدها المختلفة: من جمعيات، ومؤسسات، ومراكز، وغيرها.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/12 الساعة 07:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/12 الساعة 07:55 بتوقيت غرينتش

الإصلاح كلمة يتم انتهاك اشتقاقاتها من ألسنة المدعين المنتشرين على بساط بلاد العرب وغيرها هنا وهنالك، كلمة انحسرت عن دلالتها العميقة المؤثرة إلى مفردة جوفاء منزوعة المضمون والجوهر، كلمة لطالما تشدق بالانتماء لها وادعى الارتماء على أحضانها تجمعات المدنية بمختلف محاضنها ومشاربها الفكرية المتنوعة ومقاصدها المختلفة: من جمعيات، ومؤسسات، ومراكز، وغيرها.

وتبنتها كذلك ضمن أدبياتها جماعات متباينة وأطياف متباعدة وتكتلات من كل الأنواع والمناحي: سياسية وعقائدية واجتماعية.. بل من أغرب ذلك كله ومما يدعو للتعجب أن تتبنى هذه الكلمة أنظمة وحكومات تترأس زمام الأمر سواء حقيقة كان أو شكلاً فقط، فتنافح على ادعاء وصلها، وتحاول أن تبرز في مكابرة صارخة السيرَ في سبيلها.
وهي في واقعها تحارب الإصلاح في كل قراراتها.

والإصلاح الحق في مفهومه العميق وفي تعلقه بالواقع، ليس مجرد شعار يتم ترديده في الحملات الدعوية من طرف هذا الفريق أو ذاك، وليس صراخاً وهتافاً نترنم به في المظاهرات والاحتجاجات، وليس مورداً للتباكي من خلاله على بساط حياة أمة تائهة. الإصلاح ليس كلمة علاج سحري ولا هي عصا موسى بإطلاقها يتغير الحال، وتنقلب لأحسن الأحوال.

الإصلاح منهج تقوم عليه الانطلاقة وتبنى له الغاية والمقصد، سعياً نحو التغيير: بدءاً ومنطلقاً من استهداف تكتل الفساد، مروراً إلى إضعافه فإجهاضه والقضاء عليه.

فهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالواقع وخصائصه من حيث العمل بمستلزماته والتنزيل حسب مقتضياته، ومرتبط بالفساد المستشري في ذاك الواقع من حيث المنابع التي تمده بالبقاء وقوة نفوذه وعمق أثره… ثم بمراحل توقيع الإصلاح بناء على ذلك كله، وذاك من خلال بصيرة بالواقع ومنافذ الإصلاح فيه.

فيجب أن تُخط الأولويات بعناية فائقة، وترتب مراحلها بحسبها وتدقق، خاصة إذا كانت الأمة كحالنا قد هدّ كيانها الفساد، بل واعتلى تغريراً وتضليلاً مطية الصلاح، فصار هو الأصل في تربية عدة أجيال متلاحقة، وأضحى بعدها سلوكاً لا يشان من ملابسته أو يستعر من مصاحبته والعمل به جهاراً نهاراً.

فنحن الآن ألصق وأجدر وألزم بمرحلة إعادة البناء وضرورته منا من مرحلة التشييد التي يزعمها ويدعيها عدة متصدرين لمجالات التغيير تواطؤاً مع الفساد حيناً وجهلاً بمواطن الإصلاح في أخرى.

فأنى لذاك الإصلاح أن يتطاول بنيانه ويمتد على أسس ينخر في مكوناتها الفساد؟

ومن غير حاجة لسرد انعدام إرادة الإصلاح الصادقة على الأقل مشهداً وتجلياً، بدءاً من رأس هرم الحراك التصحيحي نهاية إلى قاعدة المحكوم في مستوشحاته وما تحت إمرته، يظهر صارخاً بشدة تغييب تقنين الإصلاح ومنهجيته، ويتجلى حضور المصالح النسبية، لأجل أهداف وقصود شخصية أو آنية متنوعة ومتباينة بلا أثر حقيقي ولا مآل للتغيير منشود.

قد تكون بعض هذه التحركات الموجودة على الساحة هنا وهناك دفعت بها نية صادقة تتحرق على بؤس الأحوال، وتحاول جاهدة التبني الصادق لمشروع التغيير، لكنها تبقى في ميزان السير العام للحراك الإصلاحي شذوذاً، مع اتسام بعضها بالارتجالية وانعدام الرؤية الشاملة لمواطن وضع الأقدام ومناحي الإحجام والإقدام. زِد على ذلك ذوبانها مع الأيام وتحمل المسؤولية المتوهمة غالباً في محلول الفساد القوي النفاذ، بل صارت في عدة مناحٍ حصناً له وقناة لامتداد سيلانه تحت مظلة مخرقة وسموها غفلة بالضرورية.

المغرب وضمن منظومة عربية مماثلة، وإن كان له استثناءاته المخالفة لها في نقاط. ما زال الإصلاح ودرء الفساد بجميع أشكاله مجرد كلمة تعيش الوحدة بيننا، وتنفخ في جنباتها الأماني.. ما زال الإصلاح مجرد تجارة كلامية تسوّق بالمنابر المرئية والسمعية.. من طرف رؤوس الفساد نفسه أو رؤوس لا تملك من زمام الأمر قيد إصبع.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد