تاريخياً مع النصر العظيم تسقط الأقنعة أو تكاد، من أجل تعزيز السلطات وتقاسم الثروات بين المنتصرين.. الامتحان النهائي والحاسم لمن يدّعي النضال من أجل الوطن هو اليوم الذي يتبع إعلان النصر.. هل تريد القيادات والأحزاب التي شاركت النصر على (داعش) إنهاء شعاراتها الوطنية، وفرض قراراتها الحزبية ومزاجها الطائفي أو القومي بذريعة التضحيات؟
وما الداعي لـ"التصعيد الإعلامي السياسي" داخل البيت الشيعي والاتحاد السُّني وقصة الاستفتاء الكردي في هذا الوقت؟
أجوبة متعددة غالبها تركز على أنه ابتزاز سياسي، وابتزاز مالي (لإبقاء العراق تحت رحمة الساسة وأجنداتهم الأجنبية).
سيكون لهذا التصعيد تداعيات خطيرة على الأمن الوطني العراقي، وإن التبعات الأشد ضررا ستقع على عاتق المواطن أولاً وعلى رئيس الوزراء العراقي.
أدانت الحكومة العراقية هذه التصريحات غير المسؤولة من قيادات حزبية ودينية مشاركة في الحكومة، وكونها "مصدر قلق كبير"، و"من شأنه إضعاف مبدأ وحدة البنادق بالضد من داعش، وإضعاف المتبقي من السيادية العراقية والتأثير سلباً على جميع الدول المجاورة للعراق بما في ذلك الكبار".
إن الاستهداف واضح لتشويه صورة العبادي بعد نصر الموصل، ولا يختلف عليه اثنان، ولا يستطيع أن يقول لهم: لا تستهدفوني، لكن هل فريق المستشارين مع العبادي لديهم الرؤى والبرامج لتحصين أنفسهم قدر الإمكان أمام هذه القوى التي لا يمكن احتواؤها ولا الاستهانة بتصريحاتها؟
أدانت الصحف القريبة من الحكومة تلك التصريحات، لكن على استحياء، وقالت: إنها سوف تمثل مأزقاً للعراق، وأخرى بينت أن الحكومة ستعامل أصحاب تلك التصريحات بالقانون والسياقات القضائية، وأشارت مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن تأزّم العلاقة بين القوى السياسية سيعقد علاقات العبادي مع أقرب شركائه، وأما الصحف التابعة لخصوم العبادي فكلها اتفقت على أن العبادي لا يستطيع مواجهتهم، وخيارات الرد عندهم كثيرة.
رواد مواقع التواصل الاجتماعي المستقلون عبَّروا عن تضامن كامل بكافة أطيافهم عن رفضهم لتلك التصريحات، والبعض طرح موضوع فرض القانون على الجميع، والاستعانة بمرجعية النجف، والتنسيق مع الصدر والحكيم في دعم أمن الدولة.
وحذرت الكتابات التحليلية من الأبعاد الاقتصادية، فضلاً عن السياسية، بين بغداد وطهران، وبغداد وأربيل، وشركائهما الدوليين وخاصة تركيا والخليج، بسبب هذه التصريحات، التي جاءت وهي لا تحمل أي نظرة للتفاؤل، وأنها سواء كانت شيعية أو سنية أو كردية أو من الأقليّات، قد تقطع شعرة معاوية التي كانت بينها وبين القيم والثوابت الوطنية، وسوف تندم كل تلك القوى إن حدث ذلك.
وسأطرح هنا مقترحات سريعة لمحاربة الفساد، ولدعم جهود النزاهة والرقابة المالية في الأداء خصوصاً في جانب مواجهة كبار الفاسدين.
– مراجعة الملفات المتراكمة بعيداً عن اللجان السابقة التي أخفت الكثير منها مقابل الرشى أو بسبب شفاعات طائفية أو حزبية، أو بسبب التهديدات العشائرية والفصائلية المسلحة، وأن تكون هي المنطلق لعمليات التصحيح والمراجعات مع الشفافية الإعلامية، ولاستحضار صوت الشعب عند الحاجة، وبما يمثل إطاراً شرعياً جماهيرياً للتحرك.
– ترتيب الأولويات في إحالة تلك الملفات بحسب السرقات المليارية نزولاً، والابتعاد عن استهداف طائفة أو قومية دون أخرى، باستخدام عصا القانون والقضاء وفقاً لواقع الأحزاب والفصائل المسيطرة على مؤسسات النزاهة والرقابة والقضاء، والتسريع في حسم تلك الملفات قضائياً حتى إذا أدى ذلك لمواجهات مستعجلة أو مصادمات ضارة نسبياً.
– توافق الكتل السياسية مع خارطة الطريق الإصلاحية للمرجعية والأمم المتحدة، ومشاركة السيد مقتدى الصدر في برنامجه الإصلاحي الذي حاسب المتهمين داخل كتلة الأحرار ومن عليه ملفات نزاهة، وكذلك مراجعة مقترحات الدكتور علاوي في الإصلاح، ومحاربة الفساد فهي تصلح لأن تكون منهجاً صالحاً للتنفيذ، (لا نقول توحيد البرامج فهذا محال، ولكن التقارب مطلوب)، ضمن صيغة تفاهمية تنسيقية تقلل من الهدر في المال العام، وتوجه الجهود الإصلاحية في اتجاه واحد.
– عدم تأجيل الصدام مع بعض القيادات الحزبية والسياسية، والتركيز على محاسبة الأهم والأشد سرقة وفساداً، والانتفاع من القدرات الجماهيرية وفاعلية نصر الموصل، ولا حاجة للتأجيل والتريث من أجل تكوين الاستعداد الكافي.
الإعلام الحكومي سوف يتكفل بتحريك قوة الجماهير والمنظمات الأممية والدولية والمحلية، ولا بد من الابتعاد عن تهويلات وتحليلات النخب؛ لأنها في الغالب لا تبتعد عن الكتابة الحزبية المتحيزة، والتمهيد لحملة النزاهة ومحاربة الفساد على مواقع التواصل الاجتماعي ضمن صيغة بناء قاعدة شعبية قوية لمحاربة الفساد وجماهيرية عريضة مطلوبة.
– الاستفادة من هامش التأييد العام لنصر الموصل في أقصى مداه؛ لأن الأوضاع تتغير، والموازنة بين ما يمكن تحقيقه قانونياً وما يرغب في تحقيقه دون تنازلات قضائية وقانونية.
– التركيز على مزاج المواطن في مسألة محاسبة الفاسد في ملف الكهرباء والبلديات وأمانة العاصمة والصفقات الأمنية والعسكرية والتوظيف الفضائي، وهدر المال العام، ونثريات وسلف كبار المسؤولين، وهذا يمهد "لصناعة رؤية وخطاب، وبالتالي قضية لمن يعمل بها ولها فهو سيكون مناضلاً وطنياً"، بالنسبة لعامة الشعب، وعليه التقليل من الخطاب السياسي، حتى لا يحسب عليه أنه دعاية لحزب أو يمهد لترشيحه في الانتخابات القادمة، وهذا مع الأسف ما يكتنف الكثير من موظفي النزاهة والرقابة والقضاء.
– الاستفادة من التجارب الدولية في محاربة الفساد، والاستعانة بخبراء من الخزانة الأميركية والمالية البريطانية، واستخدام تقنيات الإدارة المالية الحديثة، وإلغاء دوائر المفتش العام التي تعتبر حلقة زائدة وغير منسجمة مع اللوائح الداخلية لوزارات ومؤسسات الدولة العراقية..والانتباه إلى ظروف كل بيئة وخصوصيتها.
– الوقت قد ينعكس على الحكومة، خاصة عند استمرارها بالعمل وفق برنامج التوازن الحذر في تفعيل القانون مع قيادات الفساد في الأحزاب الكبيرة، والنتيجة خسارة صوت الجماهير، والانحناء دون صدام، وحينئذ لن ينفع هذا النوع من التعامل الحذر الذي لا يستفز فاسداً، ولا يشفي صدراً لصديق، وبالتالي لا يخاصم ولا يوالي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.