هل ستنتصر الثورة السورية على طاغية العصر؟ “2”

تبقى إشارة إلى أن الأنباء التي تتردد كثيراً عن تدخل القوات التركية في إدلب تبدو محاولة لتخويف ما تعتقد تركيا أنها فصائل متطرفة كهيئة تحرير الشام مثلاً لمحاولة (تدجينها) مستقبلاً، ولكن لن يتم التدخل التركي في سوريا إلا بعد استنفاد جميع محاولات إشعال الاقتتال بين الفصائل في الشمال السوري، وتركها لمصير أن يصفي بعضها بعضا، وهذا ما تعمل عليه القوى الكبرى، ولذلك في الفترة القريبة القادمة من غير المرجح التدخل التركي في الشمال السوري.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/20 الساعة 03:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/20 الساعة 03:21 بتوقيت غرينتش

تحدثت في المقال السابق عن أطراف الصراع في سوريا، كأميركا والنظام السوري وميليشيات إيران وروسيا، في معرض الإجابة على سؤال: هل ستنتصر الثورة السورية؟ وأتابع في هذا المقال الحديث عن بقية أطراف الصراع في سوريا، وأبدأ باستعراض الطرف التركي.

رابعاً: تركيا
لا شك أن تركيا من أهم الفاعلين في الثورة السورية، ومن أهم أهدافها المستقبلية حفظ أمنها الداخلي من الخطر الكردي في الجنوب، بالإضافة لمحاربة تنظيم الدولة، وربما على المدى القريب يبدو أن تركيا اكتفت بما آلت إليه الأوضاع في عملية درع الفرات، فبعد السيطرة على جرابلس والباب في ريف حلب، توقفت قوات الجيش التركي التي تقود بعض فصائل الجيش الحر في المنطقة، ولم تعلن عن عمليات أخرى، وربما تكتفي تركيا في المستقبل بالسيطرة على مدينة منبج وعفرين من خلال صفقة المحاصصة المعقودة مع روسيا في السابق، والتي تم بموجبها إفراغ الجزء الشرقي من مدينة حلب، وبذلك تكون تركيا قد أمّنت حدودها الجنوبية بشكل كبير، بالإضافة لإفشال حلم الدولة الكردية في شمال سوريا.

فإذا تمت لتركيا مسألة السيطرة على عفرين فإنها ستكون قد خطت خطوة كبيرة للأمام لإفشال حلم الدولة الكردية.

تبقى إشارة إلى أن الأنباء التي تتردد كثيراً عن تدخل القوات التركية في إدلب تبدو محاولة لتخويف ما تعتقد تركيا أنها فصائل متطرفة كهيئة تحرير الشام مثلاً لمحاولة (تدجينها) مستقبلاً، ولكن لن يتم التدخل التركي في سوريا إلا بعد استنفاد جميع محاولات إشعال الاقتتال بين الفصائل في الشمال السوري، وتركها لمصير أن يصفي بعضها بعضا، وهذا ما تعمل عليه القوى الكبرى، ولذلك في الفترة القريبة القادمة من غير المرجح التدخل التركي في الشمال السوري.

خامساً: تنظيم الدولة (داعش)
يستمر تنظيم الدولة في خسائره الكبيرة للأراضي والأفراد، فهو يقاتل عدة أطراف في الوقت ذاته، وعلى مساحة جغرافية كبيرة في سوريا والعراق، ويسعى التنظيم بشكل كبير الآن لإطالة معركة الرقة قدر الإمكان، ريثما يحاول التنظيم السيطرة الكاملة على مدينة دير الزور، التي تضمن له اتصالاً جغرافياً بين سوريا والعراق، وبهذا يكون التنظيم قد ضمن مكاناً له في المستقبل بالانتشار في هذه المناطق الصحراوية الشاسعة الممتدة بين دير الزور والميادين والبوكمال وبين معظم الأراضي في محافظة الأنبار في العراق، وهذه المناطق تتميز بصعوبة السيطرة عليها من قِبل الحكومتين العراقية أو السورية، ويجري فيها تحييد كبير لطيران التحالف الأميركي لاتساع مساحتها، وفي هذا الأمر تكرار لما فعله التنظيم في العراق عندما كان يسيطر على أماكن صحراوية في محافظة العراق، ثم انقض منها على بقية المناطق العراقية والسورية؛ ليسيطر عليها، وسيحاول التنظيم تكرار نفس هذا السيناريو السابق في المستقبل، وتبقى معركة دير الزور من أقوى وأكبر المعارك التي من المرجح أن تندلع في سوريا في الفترة المقبلة، وذلك لحرص التنظيم على هذه المنطقة، ومحاولته الحفاظ عليها مستقبلاً.

سادساً: فصائل الثورة السورية
انحصر وجود الفصائل السورية المعارضة في محافظة إدلب وريفي حمص وحماة وبعض المناطق المتفرقة في درعا وريف دمشق، وساهم هذا الانحصار والتراجع بظهور المشاكل الداخلية بين هذه الفصائل على السطح، فتأخُر انتصار الثورة يؤدي بالطبع إلى تناحر قادتها بين بعضهم، وهذا ما عول عليه النظام السوري وأعوانه.

ولا تزال الأطراف الخارجية تستكمل دورها بإشعال نار الحرب والفتنة بين هذه الفصائل، وهذا ما تصبو إليه الدول الكبرى في النهاية، مما يُعجل بإجهاض الثورة السورية، وإبقاء النظام السوري، وإن تمت تنحية الأسد بنفسه فقط مع بقاء أركان دولته على شكلها القديم.

وتظهر الآن بعض المناوشات بشكل كبير بين حركتي أحرار الشام وهيئة تحرير الشام المكونين الرئيسيين لفصائل الثورة السورية في الشمال، ورغم أن تأجيج نار الاقتتال بين هذين الفصيلين جارٍ على قدم وساق منذ مدة، ويشترك فيه عدد من الدول الخارجية، فإن تأخر هذا الأمر على المدى المتوسط، وخلال العام القادم، قد يدفع بالقوات التركية للتدخل في الشمال السوري، كما أشرت في معرض حديثي عن تركيا، وأما ريف دمشق المتبقي مع المعارضة فهو سيلاقي على الأغلب نفس مصير حي الوعر في حمص ومناطق شرقي حلب؛ حيث بقي فيه فصيلان كبيران هما جيش الإسلام وفيلق الرحمن، وفيما يظهر تسعى الدول الراعية لفصائل الغوطة إلى عدم الحفاظ عليها وإعادتها للنظام السوري، مما يرجح سيناريو حي الوعر في الغوطة، ولكن بشكل أكبر وأضخم.

سابعاً: الدول العربية
وقفت الدول العربية من الثورة السورية موقف المنفذ لسياسات الدول الكبرى منذ البداية، فالدعم لفصائل المعارضة كان حسب الرغبة الأميركية، ومنذ عام تقريباً تراجع هذا الدعم بشكل كبير بعد التفاهم الروسي – الأميركي، وجاءت الأزمة الخليجية في الفترة الحالية التي أدت إلى انشغال هذه الدول ببعضها البعض انشغالاً شبه تام، ولا بد من التنويه بأن مواقف بعض هذه الدول كان سلبياً جداً في الثورة السورية؛ حيث عمل بعضها على دعم فصائل على حساب أخرى بهدف ضرب الفصائل فيما بينها، ولا شك أيضاً أن مواقف بعض هذه الدول ساهم بإطالة حكم بشار الأسد؛ حيث كان الدعم يصل لهذا الطاغية من تحت الطاولة خلال فترة الثورة، من خلال استضافة أعوانه وأقربائه ودعمه اقتصادياً.

أما الدول الأخرى كمصر ما بعد انقلاب السيسي والجزائر فهي شريكة لبشار الأسد، سواء بالدعم المالي أو حتى بإرسال الخبرات العسكرية كالمستشارين والطيارين، ولا يخفي حكام البلدين هذا الأمر بل يتفاخرون به!

أما حكومات الدول العربية الأخرى فهي لا حول لها ولا قوة في الشأن السوري، وهي بمثابة المتفرج تقريباً.

بعد استعراض أطراف الصراع وأهداف كل منهم، أتابع في المقال القادم -إن شاء الله- والأخير الإجابة على سؤال انتصار الثورة السورية، وأستعرض استنتاجات نهائية حول هذا الأمر.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد