كثيراً ما نرى السحرة في سيرك ما يستخدمون حدثاً يلفت انتباه الجمهور، ومن ثم يمررون جملاً أو فيلاً وما أشبه، وهذا ما يحدث اليوم أثناء هذا الحصار لقطر، وافتعال هذه الأزمة في الخليج، وإن كنت شخصياً أميل إلى نظرية المؤامرة فيما يجري في عصرنا الحالي؛ حيث يتحكم الإعلام في إثارة الجماهير وإشغالهم عما يريده، ولفت عنايتهم إلى ما يريده، وهذا ما يقودني إلى التصور بأن ما جرى حول حصار قطر كان عبارة عن إحداث غمامة تمرر فيها بعض المشاريع، أو التنصل من بعض الاستحقاقات.
ويمكن ملاحظة عدة أمور جرى تمريرها بعيداً عن الإعلام القطري "الجزيرة" وغيره من الإعلام الإقليمي والعالمي، أثناء حصار قطر، وإلى الآن.
تولي ولي ولي العهد السعودي منصب ولي العهد دون الوقوف عليه سعودياً وعالمياً من الناحية الإعلامية، اتفاقية أميركية روسية، في جنوب سوريا، أردنية حماية لإسرائيل بالمقام الأول دون شراكة خليجية، سيطرة الجيش العراقي على الموصل كاملة دون تطرق الإعلام بشكل مستفيض حول الدمار المادي والإنساني الذي لحق هذه الحاضرة السُنية، وكيف دخل الحشد الشعبي إلى الموصل، وهل ستبدأ عملية تشييع السنة العرب في العراق؟ العملية العسكرية التي تقوم بها ما تعرف بقوات سوريا الديمقراطية لتحرير محافظة الرقة، وفقاً للسيناريو الذي يخدم النظام السوري طبعاً دون تغطية وتحليل إعلامي جيد، وغير ما ذكرنا مما ستنبئنا به الأيام المقبلة.
إذاً هناك العديد من الأحداث التي جرت على كامل الأماكن التي تعيش حالة من الثورة التي تعرف بالربيع العربي، أو التي تتصارع فيها الثورة والثورة المضادة.
والأهم الذي جرى تمريره هو تنصل الأميركان من استحقاقات النصف تريليون دولار، التي دفعتها المملكة السعودية لأميركا، وذلك لكي تقوم أميركا بحماية السعودية والخليج من الخطر الإيراني، ولكن يبدو أن إشارات ترامب وتغريداته على تويتر قدمت لدول الحصار ما هو أشهى من حمايتهم من الخطر الإيراني المحدق بالجميع، وهذا ما يدعو للتساؤل من اخترق الوكالة القطرية، وما نشر فيها من أخبار كاذبة، ولمصلحة من؟
بعيداً عن تمرير المشاريع أثناء الأزمة فقد كانت هذه الأزمة "حصار قطر" كاشفة لنيات وحقيقة بعض دول الخليج حول الأزمة السورية، وربما يقول السوريون في سرهم: "الآن علمنا"، لماذا كانت تقطع عنا المعونات العسكرية، في أحلك الظروف، والآن بتنا نعلم من أبقى النظام على سدة الحكم رغم جرائمه، أليس من أبقاه هم أنفسهم من قالوا لقد "فقد بشار شرعيته، وإنه راحل آجلاً أم عاجلاً".
أيضاً كشفت هذه الأزمة النية لدى الذين اعتبروا أصدقاء للشعب السوري القضاء على الثورة، والإبقاء على الدكتاتور – أخص بالذكر الدول العربية الخليجية التي كانت تتحدث عن رحيل الدكتاتور- كذلك وجدنا في الاتفاقيات الخليجية المسربة "تلك الاتفاقية مع قطر عام 2013" كيف تتم الاتفاقيات حول عدم تقبل المعارضات، وعدم تفعيل اللجوء السياسي إلى أي من تلك الدول في تحد صارخ لما توصل له الإنسان من حقوق سياسية من حق الشعوب أفراداً وجماعات، كذلك وجدنا في هذه الاتفاقية المسربة العداء الواضح لجماعة الإخوان المسلمين بشكل واضح، هنا يجب التوضيح أنني أتناول الإخوان المسلمين كتيار سياسي قائم وعلى السياسيين التعامل معهم وفقاً لمتطلبات الديمقراطية وليس دفاعاً عنهم.
أخيراً كان لافتا ما عبر عنه السياسي الألماني غيدو شتاينبرغ، كبير الباحثين لشؤون الشرق الأوسط بالمعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية؛ حيث عبر عن دهشته من عدم تحالف دول الخليج مع حركة الإخوان المسلمين، وإنما بادرتهم العداء، بينما الإيرانيون يشكلون الخطر الأكبر.
هنا لست في صدد تعليم الدول ماهية السياسة، لكني أتساءل: ما هو المنطق في معاداة تيار سياسي من نسيج مجتمعاتكم، والتغافل عن الأخطار الحقيقية؟
هل هذا يعني أن الشعوب ومطالباتها بحقوقها هي الخطر الحقيقي؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.