بدأت الأحداث سريعة، ضجة إعلامية مهيبة (مُعدّ لها مسبقاً) حول وجود انقلاب أو محاولة انقلاب عسكري في تركيا، يُصاحبها إغلاق لجسر البوسفور وجسر محمد الفاتح اللذين يربطان الجانب الأوروبي بالآسيوي من إسطنبول، وإغلاق مطار أتاتورك وتطويقه بالدبابات، تبعه اقتحام لقناة الـTRT من قِبل العناصر الانقلابية وإجبارهم بقوة السلاح على بث بيان لحظر التجوال، وهذا ما حدث فعلياً فقد نجح الانقلاب وانتهت الحكاية؛ إذ ما هي إلا محضُ سويعات قلائل أعلن فيها قادة عسكريون في الجيش التركي بالتعاون مع جماعة (فتح الله غولن) المعروفة باسم الكيان الموازي بالسيطرة على هيئة الأركان التركية واعتقال رئيس الأركان للجيش التركي.. اضطرابات من المجهول، غيمة سوداء تلوح في الأفق، قلقٌ يرتسم على مُحيا الجميع، ففي تمام الساعة الحادية عشرة، اتصال من بن علي معلناً تعرض تركيا لمحاولة انقلاب متوعداً المتورطين، تبعه بدقائق معدودة ظهور للطيب رجب في مشهد أثار سخرية العالم المغتاظ من هذا القائد في مكالمة فيديو عبر تطبيق FaceTime لا تتجاوز الـ12 ثانية، يدعو فيها مناصريه.. يدعو شعبه.. يدعو حزبه بالوقوف في وجه هذا الانقلاب والنزول إلى الشوارع.. ها هنا بدأت حكاية جديدة عنوانها "شموخ" فما أن أنهي الخطاب حتى بدأت تلك الجحافل تتجمهر ملبية مهللة مكبرة تصدع ها هنا اليوم قائلة: (بسم الله.. يا الله.. الله أكبر)، أطوف بعدستي المتواضعة في هذا المشهد العظيم الذي اقشعر له بدني ساعياً لإيصال ذلك التجحفل المليوني إلى محياكم.. جحافل خرجت، جوامع صدعت: "إن من تدعمه الجوامع لن تردعه المدافع"، (سيغلب الجمع ويولون الأدبار).
هي مشاهد ستُخلد في ضمير التاريخ، شيوخ ونساء، أطفال ورجال، شباب يقفون أمام تلك الآليات المدرعة يزمجرون كالأسود رافضين ما يحدث في مشهد تعجز الكلمات عن وصفه، محلات تفتح للمارة أن هاكم ارتووا وأكملوا، ارفعوا هامتكم وغيّروا، فهاهنا رجل يضع عربته المدنية أمام تلك الدبابة العسكرية لإيقافها؟! وها هناك رجل يستلقي أمام أخرى مانعاً إياها بجسد عارٍ؟! وأحدثكم عن رجل شيخ وزوجته قد غزا شعرهما الشيب وأخذ عليهما الزمن مأخذه يحملان عصياً خشبية يقرعان على ذاك المعدن الصلب بضربات ترافقها دموع الغضب، دموع انهمرت خوفاً من فقدان بلدهما، كأنهما يصرخان بصمت أن هاكم أرواحنا واتركوا بلداننا.
مشاهد وصور ستبقى عالقة في الأثر ترويها تلك الصور.. الساعة الخامسة فجراً بضع دعوات تتخللها تلك الأمنيات، أسدلت الشمس خيوطها الدافئة وتزحزحت الغيوم تاركة لذلك الدفء أن يشق طريقه المنير لشوارع إسطنبول كما هي العادة، كل شيء كان مختلفاً يومها، عدا تلك الشمس التي لم تغير شروقها المعهود.
جاء الخطاب المنتظر ليثلج الصدور كأنه من بعد تلك الظلماء نور فقد أُعلنت مدوية لا بل وبصورة رسمية أن يا قوم اطمئنوا فقد فشلوا، اندحروا وإلى مزبلة التاريخ هاهنا اليوم اندثروا.. فشل الانقلاب وانتهت تلك الزوبعة في مشهد درامي تحاكيها لنا قصة عنوانها شموخ بطلها أردوغان، وفصولها هذا الشعب العَظِيم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.