الفرق بين الدولة والأمة في القضية العربية الكردية في سوريا

التعامل مع القومية الكردية في سوريا على أنها جزء خارج عن الأمة سيؤدي بالمطلق إلى دفعهم للتفكير بتأسيس دولة تضم قوميتهم على الطريقة الألمانية، كرد فعل على التعامل معهم بنفس الطريقة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/28 الساعة 03:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/28 الساعة 03:42 بتوقيت غرينتش

المشكلة في التعاطي مع "المسألة الكردية" أن معظمنا يجهل الفرق بين (الدولة) و(الأمة)؛ حيث يتعامل الكم الأكبر من السوريين مع الأكراد على أنهم جسم غير متجانس مع (الأمة) التي هي في الحالة السورية الأمة العربية، مفترضين بالمطلق أن أبناء الأمة الواحدة لديهم تجانس عضوي لانتمائهم إلى القومية ذاتها، متناسين في الوقت ذاته أن أكراد سوريا جزء من الدولة السورية، وهي الإطار الذي يمكنه احتواء العديد من (الأمم) تحت ضوابط وقوانين، وقد يجمع العرب السوريين مع الأكراد السوريين أكثر مما يجمعهم مع العرب القوميين أو العرب المتبنين للأصولية الإسلامية.

سبق للدول الأوروبية أن كانت في امتحان مشابه عندما فُرض عليها الاختيار بين المفهوم الألماني للقومية، الذي يفترض أن جميع أبناء العرق الذين ينحدرون من دم واحد هم أعضاء في هذه الأمة آلياً، بحيث يكون الأصل أكبر أهمية من النسب، وبين التجربة الفرنسية التي اعتبرت الانتماء إلى الدولة هو الأسمى والأهم، بينما يبقى الانتماء إلى الأمة أمراً اختيارياً طالما يمكنك العيش ضمن القوانين والتشريعات التي تضبط البلاد.

وقد أثبت التاريخ المعاصر أن التجربة الفرنسية كانت الأنجح بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث انهارت ألمانيا التي كانت تتبنى فكر "الأمة القومية"، بينما حافظت فرنسا على تركيبتها المتجانسة تحت مسمى الدولة.

ولم يُسجل التاريخ أي حالة نجاح لإجبار قومية على الانصهار في قومية أخرى، بل إن جميع المحاولات لصهر القوميات الصغيرة ضمن القوميات الكبرى كانت ذات نتائج عكسية أدت إلى تفتت الدول التي كانت تجمعها.

وعليه.. فإن التعامل مع القومية الكردية في سوريا على أنها جزء خارج عن الأمة سيؤدي بالمطلق إلى دفعهم للتفكير بتأسيس دولة تضم قوميتهم على الطريقة الألمانية، كرد فعل على التعامل معهم بنفس الطريقة.

وإن كان توجه الأكراد للتحالف مع القوى الخارجية والغربية توجهاً خاطئاً بالمطلق، إلا أن القوميات الأكبر هي من تتحمل عادةً المسؤولية في تمكين القوميات الأخرى من الاندماج في الدولة، بتقديم الضمانات والتطمينات لباقي القوميات بأن توجهات الدولة لن تتجاهل حقوقهم القومية.

ولعل ما تشهده هذه المرحلة من تغير في التحالفات على الساحة السورية لهو أكبر دليل على أن القوى الإقليمية لا تكترث إلى الصراعات المحلية بين القوميات بقدر ما تكترث إلى مصالحها وما يمكنها تحقيقه من مكاسب على الأرض عبر تأجيج الصراعات بين تلك القوميات، ونصرة إحداها على الأخرى، وعلى المكونات السورية التعامل مع المرحلة الحالية بحذر شديد؛ حيث إن المرحلة الحالية مع صعوبتها، ستفضي إلى تشكيل وجه سوريا الجديدة خلال الفترة القريبة القادمة.

وكنتيجة لما سبق وفي حال استمرار الوضع السياسي والعسكري على ما هو عليه الآن، فإن حالة العداء القومي بين العرب والأكراد ستفضي بالمطلق إلى حالة طلاق على مستوى الدولة فيما بين القوميتين، وستصل إلى مرحلة الصراع في مرحلة مقبلة، ما لم تصل سوريا في وقت قريب إلى مرحلة استقرار وتشكيل دولة جديدة قادرة على احتواء جميع القوميات ضمن دولة قانون قادرة على حماية حقوق جميع القوميات.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد