ذعر وخوف ورحيل قسري

اضطررنا إلى الرحيل، ونقل ما خفَّ وزنه وغلا ثمنه، وبسرعة تخطف الأبصار، هبَّ معنا الكثير من أهالي المدينة، لمن رغب في الهرب، والنجاة بنفسه خوفاً من القادم الأعظم.

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/19 الساعة 05:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/19 الساعة 05:23 بتوقيت غرينتش

لم أكن قادراً على إيجاد الملاذ الآمِن لي ولأسرتي، ولزوجتي المريضة التي تعاني من مرض عضال حيال واقع الحذر الشديد الذي انتابنا، وبدء العد التنازلي، والخوف من التشرّد الذي حلَّ بمَن عرفتهم عن قرب من أصدقائي الذين شاءت الصدف أن يكونوا قد حضّروا أنفسهم للرحيل القسري عن المدينة التي يقيمون فيها، والتي اجتاحها المتمردون، واللجوء إلى مكان قصي أكثر أمناً، وبعد أن دخلها هؤلاء دبَّ الرعب في قلوبنا؛ حيث فوجئنا بما حدث، وعلى غير العادة، فكانت شارة البدء، وتركنا أماكن سكننا عنوةً بعد أن أصبنا بالذعر والهلع، والخوف من المجهول!

اضطررنا إلى الرحيل، ونقل ما خفَّ وزنه وغلا ثمنه، وبسرعة تخطف الأبصار، هبَّ معنا الكثير من أهالي المدينة، لمن رغب في الهرب، والنجاة بنفسه خوفاً من القادم الأعظم.

في اليوم التالي من رحيلنا، هاجمت الطائرات مواقع تمركز هؤلاء المتمردين، ما دفع بقية الأهالي، الذين فضلوا الإقامة بدلاً من الرحيل، إلى مغادرة المدينة، مسقط رأسهم، وعلى عجل مرغمين!

ندرة، ممن بقي من الرجال والشباب في منازلهم، الذين لم يحاولوا الهرب، بل ظلوا متواجدين فيها تحسباً من تعرضّها للسرقة والنهب!

ساءت أحوال المدينة، ولم ترَ في الشوارع إلاَّ نسبةً ضئيلة جداً من الأهالي، فصارت شوارعها تعيش حالة من الهوان، والرجاء.

غياب الأهالي بهذه الطريقة غير المتوقعة حوّل المدينة الهادئة إلى مدينة أشباح حقيقية، ونادراً ما تجد في الشوارع التي خلت من سكانها، ممن تعرفه سواء لجهة جار عزيز أو صديق حميم، أو حتى عابر سبيل!

الخوف والرعب سيطرا تماماً على قلوب الناس؛ حيث صاروا يضربون أخماساً بأسداس، والمدينة تعيش حالة من الحزن والكآبة، والمحال التجارية تستعرض واقع الحياة اليومي المهمّش، وارتفاع غير مسبوق لأسعار المواد الاستهلاكية الضرورية التي يحتاجها المواطن، والتي بدت تختفي تارةً وتظهر للعلن تارةً أخرى.

الأسعار أحرقت جيب المستهلك، وارتفعت بشكلٍ لافت، والسبب الارتفاع الجنوني للدولار الذي أخذ أبعاداً شتى، وشمل المواد غير المستهلكة، والتي لم يكن في يومٍ ما تلقى رواجاً أو رغبة لدى المواطن في اقتنائها، وهكذا دواليك.

استمرت المسامرات والأحاديث الجانبية تنقل الواقع المجهول لمدينة حالمة، وترى أشياء غريبة كل يوم، ومناظر جديدة مقزّزة تلفت النظر، وعبارات مكتوبة على الجدران، وواجهات المحال التجارية، أينما كانت وجهتك، ومسمّيات لها أوّل وليس لها آخر.. وهذا ما كنا نخشاه، ناهيك بالمصير المجهول الذي رافقه انقطاع مستمر للحاجات الرئيسة من ماء وكهرباء، وحتى الاتصالات، التي حاولت مراراً العصابات المجهولة من إغلاقها بوجهنا ومنعنا من الاتصال بأي شخص كان مهما برزت لهم من وثائق تثبت انتماءك إلى هذا البلد الذي نعيش فيه!

فالفأس وقع بالرأس، وبداية الخيط لاحت في الأفق، وهذه الصورة جميعها لم ينفع معها أي فتيل آخر.. غير أنَّ الواقع الذي حل بالمدينة، حوّلها إلى بؤرة ملطخة بالشماتة، وتحوّل حال أهلها إلى إقامة مآتم عزاء من نوع آخر.

صراع بين الموت والحياة، وصور لغرائب جديدة صارت تظهر في حياتنا المثخنة بالجراح، في الشوارع، في الأحياء، في الأماكن العامة، وفي المتنزّهات.

صور غَالبها واقع جديد تمنينا أن يُحْسَم وينتهي بأيٍ شكلٍ كان، وتزول هذه الفجيعة التي لازمتنا، وحوّلت حياتنا الآمنة إلى تشرد وضياع وحرمان وفقر مدقع.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد