هل أصبحت تيران وصنافير سعودية؟ هل انتهت فرص المعارضة المصرية لوقف نقل السيادة على الجزيرتين؟ ما موقف السعودية إذا صدر حكم قضائي آخر يبطل الاتفاقية.
أسئلة عديدة تُطرح على الساحة المصرية، في الوقت الذي يبدو فيه أن أزمة اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية لن تُغلق في الداخل المصري رغم موافقة مجلس النواب المصرى على الاتفاقية.
ووفقاً لما ذكره خبراء القانون، فإن الاتفاقية لن تدخل حيز التنفيذ إلا بعد تصديق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عليها ونشرها بالجريدة الرسمية، وهو الأمر الذي يدفع معارضي الاتفاقية لمحاولة تعطيلها عبر المسار القانونى، وبالتوازي مع المسار السياسي من خلال موجة من المظاهرات والاعتصامات التي بدأت من الثلاثاء 13 يونيو/حزيران 2017، رغم أنه لا أحد يستطيع التكهن بمدى استجابة الشارع لدعوات التظاهر، التي كان آخرها الدعوة للتظاهر الجمعة 16 يونيو/حزيران 2017 .
وفِي هذا التقرير، نرصد المسارات المنتظرة للاتفاقية التي سينتج عنها تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.
بتصديق الرئيس تبدأ إجراءات التسليم
وعن الإجراءات المتبقية لكي تتسلم المملكة العربية السعودية الجزيرتين، يقول الدكتور صلاح فوزي، الفقيه الدستوري وعضو لجنة الإصلاح التشريعي التابعة لمجلس الوزراء المصري، إن الدستور المصري نص في المادة الـ151 على جعل التصديق على المعاهدات في يد رئيس الجمهورية باعتباره رئيساً للسلطة التنفيذية، واشترط قبل التصديق موافقة مجلس النواب.
وقال فوزى لـ"هاف بوست عربى"، لإنه وفقاً للنص الدستوري فإن المعاهدة الدولية لا تدخل حيز النفاذ إلا بتصديق رئيس الجمهورية ونشرها في الجريدة الرسمية، مؤكدا أنه لا يوجد التزام بتوقيت للإرسال أو موعد التصديق.
وتابع : "في حال تم تصديق الرئيس حينها، تقوم وزارة الخارجية بتبادل الوثائق الخاصة بالاتفاقية مع نظيرتها السعودية شأنها شأن أي اتفاقية أخرى".
وأضاف أنه فيما يخص آليات التسليم، قال إن كل دولة لها أن تحدد شكل إجراءات التسليم وفق البروتوكولات الموضوعة.
كيف ستغادر القوات المصرية الجزيرتين؟
وفقاً لما أعلنه اللواء بدوي عبد اللطيف عضو مجلس النواب، والذى كان يعمل في شرطة المسطحات المصرية، فإن عدد القوات المصرية الموجودة على جزيرتي تيران وصنافير بجوار العَلم المصري هو 15 جندياً و2 أمناء شرطة فقط، وهي القوات التي من المفترض رحيلها فور تسليم الجزيرتين.
وقالت مصادر رسمية معنيّة بملف ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، إنه بعد إنفاذ الاتفاقية فإن جزيرتي تيران وصنافير ستظلان تحت الإدارة المصرية، موضحة أن الاتفاقية لا تُنهي مبررات وضرورات حماية مصر لتلك المنطقة.
وأضافت المصادر أن الجانب السعودي تفهَّم ضرورة بقاء الإدارة المصرية لحماية الجزيرتين، وحماية مدخل خليج العقبة، وأقرَّ في نص الاتفاقية ببقاء الدور المصري، لتأمين الملاحة بخليج العقبة.
الملف ما زال أمام المحكمة الدستورية العليا
وقبل مرور 24 ساعة من إقرار الاتفاقية، نشرت بعض الصحف المصرية تقريراً منسوباً لهيئة مفوضي المحكمة الدستورية العليا بمصر (جهاز يساعد المحكمة الدستورية العليا)، أوصت فيه بعدم قبول منازعتي التنفيذ المقامتين من الحكومة المصرية، لوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري الصادر ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، واستمرار تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسيادة المصرية.
ويعد التقرير الصادر من هيئة المفوضين، وفقاً للقانون المصري، استرشادياً للمحكمة الدستورية. وفي النهاية، ستقضي المحكمة بالحكم الذي تراه، في جلسة 30 يوليو/تموز 2017.
ولكن سرعان ما أصدرت المحكمة بياناً صباح الخميس 15 يونيو/حزيران 2017، ذكرت فيه أن الرأي الاستشاري المنسوب إلى هيئة مفوضي المحكمة لم يتعرض مطلقاً لتحديد تبعية جزيرتي تيران وصنافير لأي من دولتي جمهورية مصر العربية أو المملكة العربية السعودية.
وجاء في البيان أن المحكمة الدستورية العليا تترفع عن الزج باسمها في أي نزاع ذي طابع سياسي، وتباشر اختصاصاتها المسندة إليها بالدستور والقانون، ولا تتعداها إلى ما يجاوزها.
هل هناك إمكانية للطعن القضائي بعد النشر بالجريدة الرسمية؟
وبعيداً عن القضايا المنظورة أمام "الدستورية" الآن، فإن عدداً من المحامين أعلنوا توجههم للطعن على قانون الاتفاقية أمام المحكمة الدستورية.
ومن هؤلاء، المحامي عصام الإسلامبولي الذي قال إن الإجراءات القانونية كافة لوقف تلك الاتفاقية لا يمكن أن تُتخذ إلا بعد تصديق رئيس الجمهورية على قانون الاتفاقية ونشرها في الجريدة الرسمية، وهو أمر متوقع أن يتم خلال 48 ساعة على أقصى حد.
وذكر الإسلامبولي لـ"عربي بوست": "إننا الآن نتعامل مع الاتفاقية كقانون رسمي أمام الجهات القضائية، وأهم الإجراءات التي سوف يتم اتخاذها هو الطعن بعدم دستورية هذا القانون أمام القضاء الإداري المصري، وهي الإجراءات التي سوف نبدأ في اتخاذها من الأسبوع المقبل".
هل تؤثر الأحكام القضائية الرافضة للاتفاقية على موقف السعودية؟
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه فى هذا الجدل القانوني بالداخل المصري، هو: ما تأثير تلك التحركات القانونية على تنفيذ بنود الاتفاقية.
وهنا، يقول المستشار محمد نور، الفقيه الدستوري، إنه من المعلوم أن حجية الأحكام القضائية وآثارها لا تتعدى حدود الدولة المصرية، فحكم المحكمة الدستورية العليا إذا فُرض صدوره لصالح معارضي الاتفاقية فلا يلزم إلا السلطات داخل الدولة المصرية ولا ينتج أي أثر على المستوى الدولى.
وذكر نور في تصريح لـ"عربي بوست"، أن موافقة البرلمان تعد إجراءً مرتبطاً بشكل المعاهدة الدولية وإعطائها قوة النفاذ على المستوى الخارجي؛ ومن ثم أصبحنا أمام معاهدة دولية وستكون كاملة الأركان بعد تصديق الرئيس، وفِي هذه الحالة ستكون نافذة وتلزم الدولة المصرية على المستوى الدولي ويجب عليها تنفيذ التزامها بإعطاء الجزيرتين للمملكة العربية السعودية.
وبناء على ذلك، قال فرحات إن صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا بهذا الشأن لن يلزم السعودية ولن يؤثر في الاتفاقية على المستوى الدولي، ولن يستطيع كائن من كان داخل مصر استرداد الجزيرتين مرة أخرى بالطرق السلمية إلا بموافقة السعودية ذاتها.
وأضاف أن "المادة 15 من الاتفاقية الجديدة لقانون البحار والتى وقّعت مصر عليها وصدَّقت عليها في عام 1983، اشترطت في مسألة تعيين الحدود البحرية بخصوص البحر الإقليمي اتفاق الطرفين، وبموافقة البرلمان أصبح الاتفاق سارياً وبمثابة قانون دولي أصبحت الدول ملزمة به".
هل الاتفاقية "شرعية" بعد رفضها من قِبل القضاء الإداري؟
قال عدد من أساتذة القانون المصري إن ما تم من إجراءات إقرار الاتفاقية هو والعدم سواء، ومن بينهم الدكتور رأفت فودة، أستاذ ورئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، والذي اعتبر أنه "لا توجد اتفاقية بعد حكم المحكمة الإدارية العليا؛ ومن ثم فإن مجلس النواب يعمل خارج نطاق القانون وخارج دولة القانون وهو يعبث بالمقدرات المصرية، وكل ما تم من إحالة الحكومة لما تعتبره اتفاقية فهو خارج إطار القانون، وهو والعدم سواء"، حسب تعبيره.
وقال فودة لـ"عربي بوست"، إن "تسليم الجزيرتين في تلك الحالة هو انتزاع للسيادة المصرية، ومن يقوم بذلك يعد في القانون المصري هو والمجرم سواء، وسوف يكون معرضاً للمحاكمة أمام القضاء، ومن لم يحاكم اليوم فسوف يحاكم الغد"، حسب قوله.
وهو الرأي الذي أيده أيضاً الدكتور محمود كبيش العميد الأسبق لكلية الحقوق جامعة القاهرة؛ إذ قال: "مراحل التفكير القانوني في اتفاقية تيران وصنافير انتهت مع صدور حكم نهائي وباتٍّ من المحكمة الإدارية العليا، ولا أعتدّ بأي إجراءات تم اتخاذها بعد ذلك من الحكومة ومجلس النواب، فهي إجراءات خارج نطاق القانون والدستور المصري"، حسب قوله.
واعتبر كبيش في تصريح لـ"عربي بوست"، أن موافقة البرلمان مثل قيام 5 أفراد بالتجمع في غرفتهم وإصدار حكم بإعدام زميل لهم، ففي تلك الحالة تعد تلك المحاكمة هراء، وهذا بالضبط ما حدث من البرلمان، ولم تتبقَ إجراءات قانونية بعد ذلك سوى محاكمة من فعل تلك الأفعال، وفقاً له.
المعارضة تحاول الحشد
وبالتوازي مع المسارات القانونية، بدأت القوى السياسية والأحزاب المصرية الرافضة للاتفاقية في تحركات سياسية من أجل الضغط على الحكومة المصرية لعدم تسليم الجزيرتين للسعودية، ولم تمر إلا ساعات قليلة على تصديق مجلس النواب المصري على الاتفاقية حتى خرجت عدة مظاهرات شعبية لرفض الاتفاقية.
ودعا كل من حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق، وجماعة الإخوان المسلمين، للتظاهر الجمعة 16 يونيو/حزيران 2017 للخروج للميادين؛ احتجاجاً على موافقة البرلمان المصري على اتفاقية تيران وصنافير، وتأتي تلك التحركات في إطار ممارسة المزيد من الضغوط على النظام المصري للتراجع عن تنفيذ الاتفاقية.
وذكرت مصادر داخل تحالف "الدفاع عن الأرض"، المكون من عدة أحزاب وقوى مصرية، أن هناك خطة تحركات شعبية تم الاتفاق عليها للتحرك في محافظات مصر كافة، ولن تكون المظاهرات قاصرة على القاهرة فقط، وأن هناك خطوات تصعيدية أخرى جارٍ التجهيز لها لحسم المعركة العاجلة الرامية إلى تأجيل تصديق الرئيس على الاتفاقية، وهي معركة الأسبوع المقبل.
وقالت المصادر لـ"هاف بوست عربى"، إنه "فى حال نجاح تلك التحركات فسنبدأ في معركة إسقاط الاتفاقية بالكامل، أما في حالة إصرار النظام على التنازل عن الأراضى المصرية، فإن جهودنا كافة سوف تكون ضد النظام نفسه".