شهر رمضان هو شهر الاستجابة، والانضباط والاحتساب؛ الاستجابة لأمر الله وتنفيذ مُراده في إيمان مطلق بفرض شعيرة الصّيام في شهر القرآن، استجابة في إخلاصٍ وتعظيم يليق "ومَن يعظّم شعائر الله فإنّها من تقوى القلوب"، انضباط للشريعة الربّانيّة وانصياع لضوابط هذه العبادة البدنيّة الرّوحيّة، وأيضاً في احتساب جازم بأنّ الجزاء الأوفى هو من عند الكريم الغنيّ الحميد.
شهر رمضان، كان سلف الأمّة يعيشونه طوال العام، فكانوا يتأهبون له ويتشوّقونه ويدعون الله أن يبلّغهم هذا الشهر العظيم ستّاً من الشهور، أمّا الستّ الثانية من السنة فهم يعيشون (شهر القرآن) صياماً وقياماً وباقي الشهور في ظلال ما اغتنموه من طاعة واستقامة وشوق جديد وعزم على تحليل الحلال وتحريم الحرام والإقبال على تنفيذ مراد الله مستنيرين ومستأنسين بما حصل لهم من (تقوى) من شهر الصّيام.
شهر رمضان، أيّام معدودات فرضٌ إلاّ على مَن رُفع عنه القلم أو مَن لا حرج عليه، هو بمثابة أكاديميّة ربّانيّة يقبل عليها المسلمون في عبادة جماعيّة، عبادة تسمو بالبدن وترتقي بالروح والفكر، أيّام معدودات يمارس فيها المسلمون ترويض البدن والعقل والرّوح لحملها على الطاعة، والاستجابة والاستقامة والانضباط، ثمّ توظيف هذه المحاسن في سلوكياتهم وتصرّفاتهم ومفاهيمهم لما يُصلح حالهم في الدّنيا والآخرة.
شهر رمضان أكاديميّة تتطلّب الجهد والجدّ والاجتهاد وينتهي الفوز فيها إلى حصول التّقوى-: "يا أيّها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتّقون" (البقرة: 183)، فحصول التّقوى هو العلامة المميّزة للنجاح والفلاح وهو مفتاح النّجاة: "ثمّ ننجّي الذين اتّقَوا ونذر الظالمين فيها جِثيّاً" (مريم: 72).
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.