ماذا يريد أهل الموصل والمناطق المحررة بعد خلاصهم من داعش؟

على مدى الأشهر القليلة الماضية شهدنا عقد العديد من المؤتمرات والندوات والاجتماعات بمختلف مستوياتها، ومن مختلف الجهات والنوايا التي تقف وراءها، إلى جانب إشعال مواقع التواصل الاجتماعي بمناقشات ومجموعات تبحث عن أجوبة أو معالجات لما حصل بمدينة الموصل وسائر المناطق التي تحررت من سيطرة داعش.

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/12 الساعة 04:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/12 الساعة 04:56 بتوقيت غرينتش

على مدى الأشهر القليلة الماضية شهدنا عقد العديد من المؤتمرات والندوات والاجتماعات بمختلف مستوياتها، ومن مختلف الجهات والنوايا التي تقف وراءها، إلى جانب إشعال مواقع التواصل الاجتماعي بمناقشات ومجموعات تبحث عن أجوبة أو معالجات لما حصل بمدينة الموصل وسائر المناطق التي تحررت من سيطرة داعش.

إن هذه المعالجات مع الأسف كثيراً ما تكون بعيدة عن الواقع وغارقة في التشاؤم، أو تكون متفائلة بالتدخل الدولي أو الحكومي إلى الحد الذي يتصورون أن ما قادم هو الربيع، كما أن البعض منها يراوح في التحليل والتنظير الأكاديمي القائم على نظريات وتحليلات الجامعيين البعيدين عن هموم واهتمامات ومشاغل الناس البسطاء، وبعضها لا يعدو أن يكون سوى إعلانات لبعض السياسيين والجماعات التي تقدم حلولاً مكررة عن نكبة الموصل، رغم أنها كانت السبب الرئيسي أو أحد أسباب ما حصل.

مطالب أهل الموصل وكل مدينة أو منطقة تعرضت إلى ما تعرضت له هذه المدينة المذبوحة المنكوبة هي بدون لف أو دوران أو تلاعب بالألفاظ أو استعراض لمهارات الكتابة والخطابة تتلخص في ثلاثة مطالب رئيسية أو مهمات ملحة ومهمة، ومن بعدها تتفرع مطالب ومهام يُكمل بعضها بعضاً، وتحقق الحد الأدنى من شروط الحياة المطلوبة التي يستطيع الإنسان أن يعيش بها، وهي:

أولاً: الأمن
بدون أمن وأمان لا يستطيع أي إنسان أن يعيش أو يستقر، عليه فإن توفير الأمن هي مهمة أولى وأساسية يجب على من يتولى أية مسؤولية في هذه الظروف، سواء كانت مسؤولية رسمية أو اجتماعية، أن يعمل على هذا الموضوع، الذي غاب عن مدينة الموصل، ليس فقط من تاريخ 10/6/2014 (تاريخ احتلالها من داعش)، وإنما من عام 2004، عندما تم تصنيف الآخر عدواً تجب مقاومته وقتله، وخلال عشر سنوات سبقت احتلال داعش كانت الموصل ساقطة بيد الإرهابيين والقتلة، والذين خطفوا وفرضوا الإتاوات وقطعوا رؤوس الضحايا حتى بعد تسلم المبالغ التي فرضوها، وأرادوا جعل المدينة من لون ومكون ومذهب واحد.

إذا لم تكن هناك شجاعة للاعتراف بالخطأ والجرائم التي شارك بها الكثيرون، فإنه لا يمكن الشروع بخط بداية جديد يستطيع كل مواطن المشاركة بالأمن والدفاع عن مدينته بالمراقبة والأخبار عن كل ظلم وإجرام قام به، ولو من أقرب المقربين إليه، وألا يتوسط أو يشفع لأحد كونه من عشيرته أو حزبه.

الأمن لا يتحقق فقط بقوات شرطة وأمن واستخبارات من أهل المدينة إذا لم يكونوا مقتنعين بأن ما حدث بالماضي كان جرماً وظلماً لحق بالآخرين (الكرد والشبك والإيزيديين والمسيحيين والشيعة)، وأن نتعاون من خلال الأمن الاجتماعي الذي يشارك كل شخص بدوره بالمراقبة أو الإبلاغ، والمشاركة والتطوع من أجل المدينة وأهلها جميعاً لا من أجل القومية والمذهب المعين.

ثانياً: الطعام
الناس في أصعب وأسوأ حال، ولا يحتاجون لشيء قدر حاجتهم إلى الطعام، وبما يحقق ما يسمى الأمن الغذائي لكل مواطن، وهو لا يمكن تحقيقه مع الخراب والدمار والبطالة والفساد المنتشر كالسرطان في كل زوايا ومرافق الحياة، إلا من خلال العمل بالبطاقة التموينية، وإعادة تفعيلها وزيادة موادها وجودتها، وبما يحقق الشعور للمواطن بأنه إنسان له كرامة وحقوق في هذا البلد، ونقترح هنا الاستفادة من تجربة وقيادة الوزير السابق الدكتور محمد مهدي صالح، وزير التجارة في النظام السابق، الذي يمكن تشبيه دوره وعمله بما قام به النبي يوسف (عليه السلام)، عندما استطاع تأمين حياة العراقيين أيام الحصار والحروب السابقة، ونحتاج إليه كـ(خبير) والخيرين أمثاله.

ثالثاً: البناء
وتعمير ما تم تخريبه خلال السنوات السابقة من خلال الاعتماد أولاً على الذات والأشخاص المحليين والشركات العامة التي أثبتت نجاحها في إعادة الإعمار بعد حرب عام 1991، والتي حققت مستويات عالية وهائلة من الإنجازات، وبإمكانيات متواضعة، لكن بالضبط والحزم والشدة والعقاب والثواب الذي كان ينتظر الأفعال كان حافزاً ومؤثراً في النتائج التي تحققت.

كما يجب العمل بالآليات الموجودة وإعادة الخدمات الأساسية الكهرباء والماء وتأهيل المستشفيات العامة والخاصة والطرق وإصلاح الجسور والمدارس والدوائر الحكومية، وإصلاح منظومة المحاكم والقضاء، وتعويض المتضررين وصرف الصكوك بسرعة، وزيادة عدد لجان التعويض، بدلاً من لجنة تعويض واحدة في كل محافظة إلى لجان متعددة في كل ناحية وقضاء ومدينة، وتشجيع القطاع الخاص والأشخاص المغتربين بتسهيل التملك والبناء من خلال منحهم قطع الأراضي، مع اشتراط بناء أكثر من بيت أو شقة فيها، واللجوء إلى البناء العمودي لغرض معالجة واحتواء مشكلة السكن.

إن إمكانية تحقيق النجاح والتقدم في أي خطة يعتمد على الأمن والأمان الموجود، الذي يكون مفتاحاً للاستقرار والبناء وتشجيع الاستثمار، وهو يحتاج إلى إدارة محلية فوق الميول والتحزب والمصلحية، إدارة متجانسة تعرف مهمتها وسلطتها، والقوانين التي تنظم عملها، وهو ما يدفعنا إلى القول إن أشخاص إدارة الموصل الحالية والسابقة عليهم الانسحاب والتقاعد والاستقالة وفتح المجال لأشخاص آخرين غير ملوثين بالفساد والمشاركة في الخراب الذي حصل، والعمل من خلال الواقع الموجود اعتبار العراق دولة اتحادية (فيدرالية)، يمكن من خلال الدستور وأحكامه اختيار النظام والشكل الذي يريده أهل الموصل وسائر المدن العراقية، والاستفادة من تجربة إقليم كردستان الإيجابية في توفير الأمن والبناء والإعمار المتميز عن باقي مناطق العراق.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد