بعد تأكيد منظمتي العفو الدولية و"هيومان رايتس ووتش" صحة الفيديو المسرب الذي يُظهر إقدام عدد من أفراد الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء على تنفيذ عمليات قتل خارج نطاق القانون بحق مدنيين عزل وإظهارهم لاحقاً على أنهم "قتلة" قضوا في تبادل لإطلاق النار مع الجيش المصري، وذلك "بعرض صور جثثهم من قِبل المتحدث باسم الجيش المصري في الخامس من ديسمبر /كانون الأول من عام 2016″، وهذا ما ذكره تقرير "العفو الدولية"- يتبين -بما لا يدع مجالاً للشك- أننا هنا أمام منظومة مجردة من كل القيم الإنسانية.
نحن إزاء جريمة إنسانية جديدة تفتضح، في سلسلة جرائم تُرتكب بحق المدنيين العُزل في مصر لا نعرف عنها شيئاً، تقارير عديدة تتحدث عن "تصفيات جسدية" لمعارضين سياسيين ومدنيين -يشتبه في انتمائهم إلى تيارات دينية تناهض نظام السيسي- من دون رد فعل دولي قوي يفضي إلى تحقيقات جدية، شاملة ودقيقة، لنفيها أو إثباتها وما يترتب على ذلك من ملاحقات وعقوبات قضائية بحق مرتكبيها.
وهذا ليس بمستغرب في ظل مجتمع دولي يقف عاجزاً عن القيام بأي رد فعل رادع وحاسم ضد النظام السوري الذي يلقي يومياً عشرات البراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين، ويرتكب المجازر بحق الأطفال ابتداءً بدرعا وليس انتهاءً بخان شيخون.
إن عناوين أخبار كـ"63 قتيلاً حصيلة غارات للنظام السوري على… داريا أو حلب أو إدلب اليوم"- أصبحت أمراً طبيعياً لا يفطر قلب متابعٍ لما يحدث في سوريا، القتل في سوريا صار "روتيناً" في الحياة اليومية، أطفال سوريا يعرفون الموت أكثر من معرفتهم بالحياة، ألعابهم محاكاة للمعارك، أمانيهم أعظمها يومٌ يمضي بلا أصوات رصاص أو دوي مدفع، محظوظهم الذي نفذ بجلده وطفولته لمعسكرات اللجوء في دول الجوار، وهي كل المساوئ ما عدا القتل!
يَفعل هذا بأطفال سوريا ونسائها وشيوخها، حزب البعث الذي خرج من بين ظهراني الشعب السوري وليس حزب الليكود الإسرائيلي اليميني المتطرف.
في السودان، يخضع الشعب لحكم نظامٍ رئيسُه متهمٌ بارتكاب جرائم حرب وإبادة، وجرائم ضد الإنسانية. وما تم في سبتمبر/أيلول من عام 2013 خير شاهد على إرهاب هذا النظام، حيث قُتل أكثر من 170 شخصاً -بحسب تقارير- بينهم أطفال، وذلك في أثناء تعامل السلطات مع المحتجين الذين خرجوا للتعبير عن سخطهم على رفع الحكومة الدعم عن المحروقات، أُصيب المئات واعتُقل العشرات لمدد زمنية متفاوتة، بعضها وصل لأشهر، من دون اتهامات مع حرمانهم من حقوقهم؛ من قبيل مقابلة محامٍ والزيارات العائلية لهم في أثناء فترة الاعتقال، مع تعرضهم للتعذيب والمعاملة السيئة.
إن إرهاب الدولة لا يقل خطورة ورعونة عن إرهاب الجماعات المسلحة، فما فعله القذافي في ليبيا طيلة الأعوام الأربعين التي حكم فيها، وما قام به مبارك وبن علي وما يقوم به علي صالح حالياً بحق شعوبهم لا يقل إجراماً عن جز أعناق بريئة من قِبل إرهابي حقير.
تلك نماذج لأنظمة ولغت في دماء شعوبها، وضربت بكل القيم السماوية والإنسانية عرض الحائط في سبيل تثبيت أركان حكمها، من دون رادع غير التقارير التي تنشرها منظمات حقوق الإنسان وما يلي ذلك من زخم إعلامي سرعان ما يقلّ، ثم يمضي الأمر وكأنه لم يكن!
الأمم المتحدة ما زالت أمامها مسؤولية أخلاقية كبيرة تتمثل في ضرورة تفعيل كل آلياتها لحماية شعوب المنطقة العربية وكل العالم التي ترزح تحت حكم أنظمة فاشية، وفرض عقوبات على دول العالم الأول التي تتعامل مع هذه الأنظمة وتقدم لها الدعم، سواء المادي أو اللوجيستي. وهي المسؤول الأول -وهنا أعني الأمم المتحدة- عن كل ما يحدث حالياً في سوريا اليوم، ووقوفها مكتوفة الأيدي هكذا لن يقود سوى إلى مزيد من العنف والعنف المضاد الذي سيخرج عن نطاق الصراع المحدد ليعم كل أرجاء العالم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.