إضاءات على أحداث راهنة

هناك فرق شاسع في منطلقات ودوافع محاربة تنظيم داعش الإرهابي بين فريقين في سوريا خصوصاً والمنطقة عموماً: واحد مبدئي من أجل القضاء على مجموعة إسلامية سياسية خطيرة تهدد المجتمع بالفتنة والإبادة وفي سبيل السلم الأهلي والتفرغ لنصرة الثورة ولمواجهة إرهاب الدولة الذي يقوده نظام الاستبداد، وفريق آخر يرفع شعار "محاربة داعش" لأهداف سياسية؛ بغية الاغتسال من وصمة الإرهاب،

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/17 الساعة 01:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/17 الساعة 01:41 بتوقيت غرينتش

(1)

ما أصعب أن يتم تهجير الإنسان قسراً من منزله وأرضه ومنطقته كما يحصل الآن أمام أنظار العالم في الكثير من المناطق السورية وآخرها الزبداني ومضايا وكفريا والفوعة، ويحسب ذلك من جرائم ضد الإنسانية تدينها وترفضها شرعة حقوق الإنسان ومواثيق الأمم المتحدة ومبادئ الحرية والعدالة!

وقد ذكرتني الجريمة التي تُقترف اليوم بإجراءات تطبيق نتائج الإحصاء الاستثنائي والحزام العربي ضد كرد محافظة الحسكة إبان عهد حكم البعث؛ أي الحرمان من حق المواطنة والأرض وكل الحقوق المدنية؛ بغية التهجير من أرض الآباء والأجداد.

وخلال قيامنا منذ نهاية الستينات وبداية السبعينات بفضح تلك المخططات ومناقشة الموضوع مع الأحزاب السورية، كنا نسمع صراحة ومواربةً من القوميين والشيوعيين الرسميين: من حق الدولة اتخاذ ما تراه مناسباً في نقل السكان من منطقة إلى أخرى!

(2)

في صيغة لا تختلف كثيراً عن البيانات المشتركة السابقة، جاء في البيان الصادر 2 أبريل/نيسان 2017 بين الحزبين الحاكمين (ب د ك-ي ن ك)، تأكيد التعاون حول قضية حق تقرير المصير، وتأجيل تحديد توقيت الاستفتاء لحين التواصل مع (القوى السياسية والوطنية الكردستانية)، والمقصود حسب فهمي (الأحزاب الأخرى) لتشكيل لجنة للبتّ في الموضوع.

وقد تذكرت أحد تصريحات الرئيس مسعود بارزاني قبل فترة، حيث دعا فيه إلى وجوب "أن تخرج هذه القضية المصيرية من حسابات الأحزاب الخاصة إلى الفضاء الشعبي الأوسع"، ومع اعتقادي أن أهلنا بالإقليم أدرى بشعاب بلدهم، ولكنني كمراقب أقول: من المفيد ألا تكون قضية حق تقرير المصير ورفع العَلم مرهونة بعلاقات التنظيمات الحزبية المتوترة بعضها مع بعض والمتأثرة منها بنفوذ مراكز قوى في بغداد.

(3)

منذ الإعلان عن "المجلس السوري" بتركيبته الحزبية التقليدية المشوهة ومن ثم ترحيل أمراضه إلى الائتلاف الذي رهن نفسه للنظام العربي الإقليمي الرسمي وأنجب الهيئة التفاوضية كمولود غير شرعي، ومنذ أن ظهر المجلس الكردي من الطينة الحزبية البالية نفسها- قالت الغالبية الوطنية كلمتها للجميع: إذا كنتم تريدون تمثيل ثورتنا عن حق، فعليكم العودة إلى الشعب وإعادة بناء مؤسسات ثورية ديمقراطية منتخبة ومخولة عبر المؤتمرات الوطنية الجامعة من دون وضع الملامة على آخرين واختلاق الذرائع والتهرب من المسؤولية كما يفعل الائتلاف أو تضليل الناس "بالانسحاب أو نصف الانسحاب أو ربعه"، كما يفعل المجلس الكردي.

(4)

البارحة وبمحض الصدفة، شاهدت حواراً على فضائية "الجزيرة" (التي لست مغرَماً بها مثل الملايين من الوطنيين السوريين والكرد)، شارك فيه كردي سوري من أربيل بوصفه "مدير مركز دراسات في قناة روداو"، وقد زالت دهشتي عندما استمات في الدفاع عن "ب ي د" بلغة مشابهة لخطاب شريف شحادة حينما تذكرت أنني التقيته عام 2012 في مؤتمر للمعارضة السورية بالبحر الميت في الأردن، وبعد ختامه توجهنا إلى عمان وبادرني بالسؤال إلى أين سأتوجه؟ فأجبت: إلى أربيل، وطرحت عليه السؤال نفسه، فأجاب بنبرة الواثق بضمان سلامته: إلى دمشق ثم حلب، وأضاف أنه موظف رسمي!

(5)

هناك فرق شاسع في منطلقات ودوافع محاربة تنظيم داعش الإرهابي بين فريقين في سوريا خصوصاً والمنطقة عموماً: واحد مبدئي من أجل القضاء على مجموعة إسلامية سياسية خطيرة تهدد المجتمع بالفتنة والإبادة وفي سبيل السلم الأهلي والتفرغ لنصرة الثورة ولمواجهة إرهاب الدولة الذي يقوده نظام الاستبداد، وفريق آخر يرفع شعار "محاربة داعش" لأهداف سياسية؛ بغية الاغتسال من وصمة الإرهاب، والتستر على إرهاب النظام، وتطبيق الأجندة الحزبية، ومواجهة الثورة، ومحاربة الجيش الحر، وإثارة المعارك الجانبية، وإطالة أمد خراب سوريا وأزمتها، وخلق سلطات أمر واقع مستحدثة وخرائط جديدة بقوة سلاح الميليشيات وبمعزل عن الإجماع الوطني الشرعي، وباستطاعة أي وطني سوري وبسهولة معرفة أطراف الفريقين.

(6)

في الأزمة المتفاقمة الراهنة التي تعيشها الحركة الوطنية الكردية السورية وانحراف أحزاب (المجلسين) عن خط الكردايتي، في إطار الظروف الدقيقة والشديدة الخطورة التي تمر بها بلادنا، وفي أجواء الصحوة المتزايدة بين صفوف وطنيينا المستقلين وشبابنا من النساء والرجال ونشطائنا وبدايات الجهود المبذولة لإعادة بناء الحركة الكردية من جانب قطاعات واسعة، وخصوصاً المشروع المطروح باسم (بزاف bizav) على الرأي العام الكردي الحذر من المحاولات الحالية لتشويه المشروع أو طرح بعض شعاراته من جانب أفراد ومجموعات حزبية لا تعدو كونها تعبيرات عن صراعات شخصية وعائلية وبتأثيرات خارجية حول المواقع في الأحزاب عامة و(المجلس الوطني الكردي) على وجه الخصوص مع قناعتي الكاملة بأن مثل تلك المحاولات لن توقف إرادة تحقيق جميع أهداف مشروع "بزاف" في المستقبل عاجلاً أم آجلاً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد