التهجير السوري والتغيير الديموغرافي

إذا أرادت طبعاً؛ لأن الموضوع يرضي الغرب، لهذا لو أرادت روسيا لانضمت للمعسكر الغربي في هذا الصدد، لكنها حتى اللحظة لا تريد؛ لأن إيران تخدمها. هنالك أيضاً مسألة مهمة يجب عدم إغفالها، وهي أن طبيعة النظامين الروسي والإيراني تجعل ارتباطهما جوانياً

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/15 الساعة 02:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/15 الساعة 02:29 بتوقيت غرينتش

منذ السنة الأولى للثورة قبل ست سنوات، كانت سياسة الأسد واضحة وهي تحطيم البيئة الحاضنة للثورة تحطيماً لا بناء بعده؛ حيث نية التهجير كانت واضحة، من خلال خيار القصف العشوائي والقتل الواضح للمدنيين.

ملف التهجير والتغيير الديمغرافي أو عدمه مرتبط بسلطة الأسد حصرياً، رغم أن هنالك مَن بات يروج أن هذا التغيير عبارة عن سياسة طائفية، الشيعة يهجرون السنَّة، وفقاً لحضور إيراني في هذا الملف.

طبعاً لإيران دور في التغيير الديموغرافي في بعض المناطق كالزبداني ومضايا، لقربها من أماكن سيطرة حزب الله في لبنان، دعماً للحزب، وبالتالي امتداداً لنفوذها في حال تحولت سوريا إلى لبنان أخرى، ثمة أمر آخر رد عليه أحرار السويداء في تظاهرة 24/ 4/ 2017 تحت شعار لا للتغيير الديموغرافي وضد الأسد، نتيجة محاولة إيران بموافقة الأسد شراء بعض الذمم والعقارات في السويداء معقل بني معروف.

لكن في الواقع في هذه القضية نحن نتجنب الحديث عن دور الأسدي، فالتغيير الذي يحدث والتهجير لإعادة موضعة خارطة ديموغرافية يعتقد آل الأسد أنها تبقيهم في السلطة وراثياً للأبد، تمنع وجود مدن تعتبرها سنية خاصة في المناطق القريبة من دمشق.

وما يُحكى عن توطين علويين وشيعة في أحياء حمص القديمة فيه مبالغة؛ إذ يمكن للمتجول في حمص أن يرى أنّ أحياءَ الخالدية والبياضة وجب الجندلي والنازحين وكرم الزيتون وجورة الشياح ممنوع التجول فيها، لكن تم بالفعل، كمكافأة لعناصر النظام، تم الاستيلاء على منازل في أطراف جب الجندلي القريب من حي الزهراء العلوي وأطراف النازحين وكرم الزيتون القريبة من وادي الدهب، فيما يسكن حيَّ عشيرة مهجّرون من الرقة ودير الزور وحلب وإدلب، وقلة من أهالي حي دير بعلبة عادت إليه، وعاد أهالي حي الحميدية ذوو الغالبية المسيحية.

يطرح بعض المهتمين عدة أسئلة منها: هل هناك تنافس بين أجندات روسيا وإيران في سوريا وتحديداً من ناحية التغيير الديموغرافي؟

لا يوجد تنافس في هذا المضمار، لكن الروس دوماً يخشون أن تقلب لهم إيران ظهر المجن مع أميركا؛ لهذا يحاولون أن يكون لهم الدور المسيطر على مناطق نفوذ إيرانية في سوريا، فهنالك ما يشبه تقاسم نفوذ، روسيا الأقوى فيه وحاميته كما يعتقد نظام بوتين.

كل هذا طبعاً تم برعاية أميركية أيام أوباما، فالتهجير إذاً تم برعاية أميركية وبعضه أشرفت عليه الأمم المتحدة نفسها، حلب الشرقية، حمص الوعر وغيرها، تحت حجة سلامة المدنيين، هذه حجة واهية بالطبع؛ لأن الأمم المتحدة لم يكن يعنيها المدنيون السوريون، إنما إشراف الأمم المتحدة على هذا التهجير يشير إلى موقف كنا نكتب عنه منذ أول شهر في الثورة السورية، قبل ست سنوات، يتعلق بأن الموقف الدولي بزعامة أوباما كان يريد تزمين الثورة من أجل تحويلها إلى مأساة العصر، هذا كان قراراً أوبامياً بامتياز، برضا إسرائيلي واضح، هكذا الوضع على الأرض مهما كانت حجج إدارة أوباما وغيرها.

هل تستطيع روسيا وضع حد للنفوذ الإيراني؟

إذا أرادت طبعاً؛ لأن الموضوع يرضي الغرب، لهذا لو أرادت روسيا لانضمت للمعسكر الغربي في هذا الصدد، لكنها حتى اللحظة لا تريد؛ لأن إيران تخدمها. هنالك أيضاً مسألة مهمة يجب عدم إغفالها، وهي أن طبيعة النظامين الروسي والإيراني تجعل ارتباطهما جوانياً، أي بمعنى ارتباط بين نظامين أكثر مما هو بين دولتين، تماماً كالارتباط بين مافيا بوتين ومافيا الأسد، هذا الموضوع يحتاج لشرح مفصل لوحده.

هل سينجح مشروع التغيير الديموغرافي في سوريا؟ أم أن الإدارة الأميركية الجديدة ستضع حداً لذلك؟

المشروع ماضٍ في المناطق التي ذكرت وغيرها من ضواحي دمشق، لكن إيقافه ووضع حد له مرتبط بسقوط الأسدية، ليس بخروج إيران من سوريا فقط، تغيير البنية الديموغرافية لدمشق ومحيطها، هذا هو عامل مشترك بين روسيا وإيران والأسد؛ لذلك تلاحظ أن الأسد رفض عودة أهالي داريا الموالين أو الذين كانوا مهجرين في مناطق كلها تقع تحت سيطرته، كما أن بشار الأسد نفسه رحب بالتغيير الديموغرافي بعد تهجير داريا؛ حيث قال سكان المدن يتغيرون، القرار الأميركي للأسف بتغيير الأسد لا يزال في طيّ الأدراج.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد