العراق من بلد الحضارات إلى بلد المقاولات

أصبحت المناطق والإشارات الضوئية المرورية تباع وتشترى من قبل مقاولين، أقل ما يقال عليهم تجار بشر، حيث يتقاسم المتنفذون الرقع الجغرافية والتقاطعات وينشرون بها متسولين أكثرهم من الأطفال والنساء ومن جنسيات غير عراقية أيضاً، في مقابل توفير الحماية لهم والمسكن والمأكل في صورة قريبة وأكثر بشاعة من فيلم "المتسولون" بطولة عادل إمام.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/10 الساعة 02:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/10 الساعة 02:45 بتوقيت غرينتش

في بلد عمقه التاريخي والحضاري يمتد إلى أكثر من عشرة آلاف عام؛ حيث كُتب أول قانون بشري لتنظيم حياة الإنسان وصيانة حقوقه؛ لتنتصر للمظلوم وتقتص من الظالم، وسُنت قوانين في مختلف مجالات الحياة؛ لتعاقب من يخترق القانون بأشد العقوبات، لا سيما في جرائم السرقة والقتل والممتلكات العامة، كما وضِعت قوانين خاصة بحقوق المرأة وحقوق العبيد وحقوق الطفل، كتبت على مسلات وعلقت في الأماكن المكتظة وعلى مداخل ومخارج مملكة بابل القديمة، لم يشفع هذا التاريخ والحضارة لهذا البلد، وكأنما خرجت القوانين والأحكام مع المسلة وأقامت معها في متحف اللوفر،

وأصبح قانون الغاب يحكم بلاد ما بين النهرين في فترات ضعفت فيها قوة الدولة وقلت هيبتها وسيطرتها فكان نتاج ذلك الضعف تغيُراً في سلوكيات وعقليات المواطن فانتقل العراق من بلد الحضارات إلى بلد المقاولات، وأصبح كل شيء يدار بالمقاولة، ونظراً للقفزات المالية التي يقفزها أصحاب المقاولات أصبحت المقاولة حلم للكثير ممن يفكرون بالربح السريع بغض النظر عن الوسيلة، واستحدثوا لأجل ذلك العديد من الطرق.

مقاولات البناء

حيث تباع مقاولات إعادة الإعمار والبناء وإقامة البنى التحتية بعشرات المليارات، ومن ثم تباع وتنتقل بشكل هرمي مقلوب من مقاول إلى آخر وبتناسب عكسي مع السعر، فكلما بيعت إلى مقاول جديد قلّ سعر صرف المقاولة مما يؤثر سلباً على جودة ونوعية المواد، وهو أحد أبواب الفساد في مؤسسات الدولة، الذي يجعل المشاريع تنتهي في العادة نهايات مأساوية.

مقاولات الرياضة

هذه المقاولات المتمثلة ببيع تذاكر مشاهدة المباريات إلى أحد المقاولين، والذي يبيعها بدوره للمشجعين الحاضرين إلى الملعب ليجني من خلالها الأرباح، وآخرها ما حصل في كلاسيكو العراق بين ناديي الزوراء والجوية، عندما باع المقاول سبعين ألف تذكرة في حين أن الملعب لا يتحمل أكثر من خمسين ألف مشاهد فقط، مما كاد يتسبب بكارثة مأساوية؛ حيث نزل على أرضية الملعب عشرون ألف مشجع، وأيضاً تسبب بكارثة تنظيمية ليس العراق بحاجة لها، وهو يدق أبواب الدول لرفع الحظر عن الملاعب العراقية.

مقاولات العشائر

مع انتشار السلاح وضعف الحكومة المركزية، برزت الأعراف العشائرية وأصبح للقانون العشائري سطوة في هذا البلد، الذي كان إلى زمن قريب مثالاً للمدن العصرية، (الطلابة أو الفصل)، أصبح يباع ويشترى من قبل مقاولين تحت عباءة وزي العشيرة، فمثلاً كان لشخص الحق في المطالبة وإقامة جلسة "الفصل"؛ لأخذ الدية من الجاني يستطيع المجني عليه بيع القضية إلى أحد الأشخاص، بسعر معين، من ثم يتبنى المشتري تكملة الفصل العشائري والمطالبة بسعر أعلى؛ ليخرج بمبلغ محترم من المال، يصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات.

مقاولات المتسولين

أصبحت المناطق والإشارات الضوئية المرورية تباع وتشترى من قبل مقاولين، أقل ما يقال عليهم تجار بشر، حيث يتقاسم المتنفذون الرقع الجغرافية والتقاطعات وينشرون بها متسولين أكثرهم من الأطفال والنساء ومن جنسيات غير عراقية أيضاً، في مقابل توفير الحماية لهم والمسكن والمأكل في صورة قريبة وأكثر بشاعة من فيلم "المتسولون" بطولة عادل إمام.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد