ميم الصحراء الحائرة بين المغرب والبوليساريو

وأخيراً فإن مدخل الحل بالجهتين يكمن في الإنصات والقرب من الإنسان الصحراوي، لإقناعه بالطرح المدافع عنه، دون شراء ولاء أو ابتزاز أو تخوين، وتبقى هذه الطروحات جزءاً من كل يمتد لما هو إنساني، وثقافي وهوياتي.. في انتظار إنهاء حيرة "ميم" الصحراء.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/03 الساعة 07:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/03 الساعة 07:53 بتوقيت غرينتش

من بين أقدم النزاعات الإفريقية، التي ما زالت تراوح مكانها، نزاع الصحراء المغربية – الغربية، يتنازع "ميمها" تياران، ينادي الأول فيه بمغربية الصحراء، والثاني باستقلاليتها، يستند كل منهما لشرعيات مختلفة؛ تاريخية، وجغرافية، وقانونية، وحتى افتراضية، ما جعل الأمر يبدو أشبه بنزاع عقاري طال أمده بين المحاكم، يدفع كل طرف فيه بأحقيته، في تناسٍ من الجانبين لمن يعيش فيه: الإنسان الصحراوي.

وحتى لا نغوصَ في تاريخ النزاع، الذي غالباً ما تحكم التطرق إليه وجهة نظر أيديولوجية ترتبط مباشرة بالأطروحة المدَافع عنها، فسنكتفي بإرجاع أصل النزاع إلى بقايا إرث استعماري إسباني للصحراء بالشمال الإفريقي، متجاوزين فترة الحرب الدامية بين الطرفين، وصولاً لوقف إطلاق النار وانطلاق مسلسل التسوية الأممية برعاية "المينورسو" (1)، ما أفضى لاستقلال كل طرف بمأزقه الخاص:

مأزق البوليساريو (2)

يوم واحد بعد الانسحاب الإسباني من الصحراء، أعلنت جبهة البوليساريو تأسيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، بتاريخ 27 فبراير/شباط 1976، اعترفت بها بعض الدول إما وفقاً لقناعاتها الثورية أو لاستعمالها كورقة تفاوضية/ابتزازية في وجه المغرب تبعاً لمصالحها الخاصة، إلا أن ما يهمنا هو المأزق الهوياتي للبوليساريو بين تصرفها الواقعي كحركة تحررية، أو تسويقها كدولة معلنة من جانب واحد، تسيطر على 25 بالمائة من "الأراضي المحررة" وترفع شعار "حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره"، هذا الحق المحمول على وجه واحد فقط هو الانفصال عن المغرب، وتخوين أي رأي مخالف ولو كان صادراً عن صحراوي اعترفت به لوائح الأمم المتحدة، فهل يملك الشعب الصحراوي القاطن بمخيمات تندوف هذا الحق؟ وكيف يقوم بممارسته فعلياً من خلال انتخابات حرة ونزيهة؟!

هل توجد دولة في العالم يقطن سكانها مخيمات على أرض دولة مجاورة (الجزائر)، تعيش على ما يصلها من مساعدات دولية، وتغيب عنها كل مقومات الدولة باستثناء "راية"، وأوراق ثبوتية تطبع بذات الدولة المستضيفة؟ هذه الأخيرة التي تناصر "القضية الصحراوية" وتتبرأ من كل تدخل في هذا النزاع طويل الأمد، فحتى إن دفعت الجبهة باستقلالية قرارها تجاهها فعلياً، فهل ستصمد هذه الاستقلالية أمام رد الجميل لها استضافةً طوال 42 عاماً؟ فالزائر في قبضة المزور كما يقال.

إن استمرار الجبهة بمنطقين كحركة تحررية وكدولة تتبدى مفارقاته من خلال الاستعمال المزدوج لهذين التبريرين حسب مصالح قيادتها الخاصة، فالأول يغنيها عن إقرار ديمقراطية حقة للشعب القاطن بالمخيمات، والثاني يسمح لها (أي القيادة) بالاستفادة من مزايا الدولة معيشياً دون إحساس بالذنب، فشجاعة الدفاع عن تقرير المصير يجب أن تبدأ وجوباً من قيادة البوليساريو، مروراً بشعب المخيمات ووصولاً لصحراويي الداخل بالمغرب، وقبل كل هذا مواجهة الأسئلة الحقيقية التي تحيط بالنزاع، ومصارحة الشعب بها، في أفق البحث عن صحراويين دون مظلات، يمكنهم استعمال حقهم في الاختيار الحر دون خوف أو مصادرة قرار.

مأزق المغرب

في أحد تصريحاته الصحفية، قال الملك الحسن الثاني: "إننا نجحنا في كسب الصحراء دون أن نكسب قلوب الصحراويين"، فلماذا فشل المغرب في استمالة الصحراويين؟

إن أول الأسباب يكمن في تغييب الإنسان الصحراوي وعدم إشراكه في تدبير الملف محلياً، واعتماد شراء ولاءات من أشخاص بأعينهم، يعزفون نغمة واحدة تركز على الأرض وتتجاهل ساكنها، تطرب مدبري الملف وحدهم دون من يعنيهم أساساً، بالتوازي مع تعيين مسؤولين يحكمهم الجانب الأمني أساساً وهاجس الضبط الداخلي لإقليم الصحراء إرضاء لمن يعينهم، بل تثور حتى اتهامات ضدهم بافتعال أزمات داخلية طلباً للدعم المالي المركزي، رغبة في الاغتناء اللامشروع، مستغلين التكاثف السياسي الذي يطبع المنطقة، بتحويل أية مطالب اجتماعية محضة، لسياسية – انفصالية، ترتب نتائج خطيرة على السلم الداخلي، والصورة الحقوقية خارجياً، كمخيم أكديم إزيك الذي ما زالت تبعاته تؤرق بال مديري الملف الصحراوي.

وحتى مبادرة الحكم الذاتي فلم يتطوع أي طرف لشرحها لصحراويي الداخل، علما أنها تنص في بنودها على عرضها على استفتاء، ما يفرغها من أي مضمون، بحيث ستثور إشكالية مَن يملك حق التصويت، التي أوقفت مسلسل تسوية المينورسو إبان عملية تحديد الهوية، فهذا التدبير الفوقي للملف، وعدم إشراك المعنيين به هو ما يعترض إرساء ثقة بين مركز الدولة وجهة الصحراء المتنازع عليها، وحتى مقايضة التنمية بالموقف من نزاع الصحراء يفتح المجال للمسترزقين بالقضية أكثر مما يسمح بإيجاد حل دائم ومقبول لها.

وأخيراً فإن مدخل الحل بالجهتين يكمن في الإنصات والقرب من الإنسان الصحراوي، لإقناعه بالطرح المدافع عنه، دون شراء ولاء أو ابتزاز أو تخوين، وتبقى هذه الطروحات جزءاً من كل يمتد لما هو إنساني، وثقافي وهوياتي.. في انتظار إنهاء حيرة "ميم" الصحراء.
ـــــــــــــ
الهوامش:

(1) المينورسو: اختصار لبعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية، تأسست سنة 1991.

(2) البوليساريو: اختصار للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، تأسست سنة 1973 بمدينة الزويرات الموريتانية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد