16 أبريل.. بداية ربيع “تركيا الجديدة”

أما المجلة الأميركية فورين بوليسي فقالت إن نتيجة الاستفتاء في تركيا لا تعني مجرد فوز وانتصار العدالة والتنمية والرئيس التركي رجب أردوغان، بل هو انتصار أنهى مرحلة كاملة من تاريخ تركيا الحديث، ورفض لعلمانية وحداثة "كمال أتاتورك"، ونتيجة الاستفتاء تفويض لأردوغان وحزبه صريح لإعادة تنظيم الجمهورية التركية بالقضاء على المبادئ التي قامت عليها الجمهورية التركية منذ 1921، واسترجاع الهوية الإسلامية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/27 الساعة 04:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/27 الساعة 04:55 بتوقيت غرينتش

خيبة أمل الغرب من فشل حملة "لا"، وإصرار أردوغان على مواصلة مشروع تركيا الجديدة

تصريحات قادة الاتحاد الأوروبي خصوصاً وبعض الدول الغربية المنزعجة من النظام الرئاسي الجديد، وانتقاداتهم لنجاح حملة "نعم" ما هي إلا ردة فعل طبيعية على خسارة متوقعة، والسبب أنهم كانوا جزءاً من حملة "لا" في شأن تركي داخلي بأبعاد إقليمية ودولية، ترجع به تركيا إلى مصاف الدولة الفاعلة عالمياً، فضاعت جهودهم وضلَّ سَعيُهم وخاب ظنُّهم وفشلت حملة "لا"، ونجح الشعب التركي في قول كلمته الفصل، ووافق بأغلبية -في عملية ديمقراطية شفافة- على التعديلات الدستورية والنظام الرئاسي، والذي كان حلمَ قادة ونبوءة زعيم، وسعيَ قائد ورئيس، وسيرةَ سلاطين ووعيَ شعب.

16 أبريل/نيسان 2017 يوم تاريخي دفن فيه الشعب التركي دستور أتاتورك وإرث جمهوريته العلمانية، و17 أبريل/نسيان يوم يخصص أتاتورك تركيا الجديد "الطيب أردوغان" لزيارة رموز دينية وحضارية ووطنية: الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصار والسلطان محمد الفاتح وسليم الأول وأربكان وأوزال وعدنان مندريس.

هذه الزيارات تحمل إشارات قوية بمعانٍ كثيرة لا تخفى على أحد، ويزيدها وضوحاً، استثناء ضريح كمال مصطفى أتاتورك من هذه الزيارات، وهذا يؤكد سعي أردوغان في طريقه لإرجاع تركيا إلى هويتها الإسلامية وثقافتها التركية الأصيلة وعمق الاستراتيجي العربي الإسلامي.

التعديلات الدستورية التي وافق عليها الشعب التركي هي الدفعة القوية ونفس جديد لاستمرار تركيا في تحقيق رؤيتها الاستراتيجية الثلاثية "2023 – 2053 – 2071″، وحصن قوي يحمي تركيا من حلقة النار التي تحيط بها، ومن حلف الغدر الذي يتربص بها.

فمباشرة بعد ظهور النتائج غير الرسمية والنهائية التي أعلنت فوز حملة "نعم"، صرح الرئيس التركي أردوغان بعزمه تطبيق هذه التعديلات والعمل على تحقيق رغبة الشعب التركي في استرجاع القرار السياسي البعيد عن الوصاية الغربية، والتخاذل الداخلي وابتزاز المنظمات الإرهابية.

فلا يهم أردوغان رضا الغرب وحلفائه عن نجاح حملة "نعم" ولا رأيه بخصوصها، ما يهمه هو أن الشعب التركي قرَّر وأمر، وهو سينفذ كعادته مع شعبه.

قال الرئيس التركي الطيب أردوغان: "إرادة الشعب هي الحاكمة ومن الآن فصاعداً لن نجلس ولا لثانية ولن نضيع الوقت أو نتوقف عن خوض هذا الطريق الذي نعرف أنه مليء بالصعوبات".

وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم: "أشكر الشعب التركي على التصويت في هذا الاستفتاء التاريخي، لقد اتخذ شعبنا خياره ووافق على النظام الرئاسي، وأظهر مرة أخرى أنه لن ينحني أمام أي وصاية أو تدخل خارجي أو تهديد".

16 أبريل/نيسان.. حدث وحديث
استفتاء 16 أبريل/نيسان حدث تاريخي من عدة وجوه، أعظمها أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ الجمهورية التركية التي يتغير فيها النظام بإرادة مدنية شعبية عبر صناديق الاقتراع بطريقة ديمقراطية وليس بالانقلابات العسكرية، يوم تحقق فيه حلم ديميرال وأزال وأربكان وتوركيش في الانتقال إلى النظام الرئاسي الذي يحمي تركيا من زلازل الحكومات الائتلافية وتشتت الصلاحيات التنفيذية ما بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، يوم 16 أبريل/نسيان يوم أنهت فيه تركيا نقاشاً دام أمداً طويلاً حول طريقة إدارة الدولة، وجدلاً حاداً حول هوية تركيا الجديدة "Yeni Türkiye"، ودور أبي الأتراك الجديد "الطيب أردوغان" في مستقبل تركيا.

هذا الأمر فطن إليه الإعلام الغربي فكانت بعض مقالاته وعناوينه تشير إلى هذا الأمر، كتقرير نشرته صحيفة التايمز البريطانية بعنوان "فوز أردوغان المتواضع قسم تركيا"، خلصت فيه إلى أن التعديلات الدستورية ستغير هوية تركيا العلمانية الحديثة باتجاه مشروع الأسلمة الذي يقوده الرئيس التركي أردوغان، والذي يحاول دائماً الإشادة بأمجاد الإمبراطورية العثمانية.

أما المجلة الأميركية فورين بوليسي فقالت إن نتيجة الاستفتاء في تركيا لا تعني مجرد فوز وانتصار العدالة والتنمية والرئيس التركي رجب أردوغان، بل هو انتصار أنهى مرحلة كاملة من تاريخ تركيا الحديث، ورفض لعلمانية وحداثة "كمال أتاتورك"، ونتيجة الاستفتاء تفويض لأردوغان وحزبه صريح لإعادة تنظيم الجمهورية التركية بالقضاء على المبادئ التي قامت عليها الجمهورية التركية منذ 1921، واسترجاع الهوية الإسلامية.

وكذلك قالت التايمز البريطانية في عنوان لها: "استفتاء تركيا ينهي علمانية أتاتورك".

هذه حقيقة تفزع قادة أوروبا وساستهم، فهذا زعيم حزب ألماني يعترف بقيمة يوم 16 أبريل/نسيان بالنسبة للغرب ولتركيا لكن بنتائج متناقضة، تناقض الهوية والرؤية والمشاريع قائلاً: "16 أبريل/نسيان يوم أسود في تاريخ تركيا".

ليست أوروبا وحدها المتخوفة والمنزعجة، بل كذلك إيران المنافس الإقليمي لتركيا، فإعلامها لخص نتيجة الاستفتاء في العنوان التالي: "التعديلات الدستورية قدمت هتلر جديداً لتركيا، وعودة العثمانية الجديدة، وقضاء على العلمانية وإرث أتاتورك".

أوروبا تخشى أن تقوم تركيا ورئيسها بإقامة تحالفات استراتيجية بديلة عن الاتحاد الأوروبي، كما تخشى إيران وحلفاؤها من استرجاع تركيا لدورها الإقليمي في القضايا الإقليمية، وخصوصا في سوريا والعراق ولبنان، مما يشكل تهديداً للنفوذ الإيراني بالمنطقة، وزيادة عزلة إيران عن محيطها الإقليمي والدولي.

كل مَن انتقد نجاح حملة "نعم" في استفتاء يوم 16 أبريل/نيسان، يدرك يقيناً أن موازين القوى سترجح لصالح تركيا وتزيد بالنظام الرئاسي قوتها وتأثيرها، كما يزيد تدخلها في القضايا التي تتعلق بأمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية.

لا شك أن يوم 16 أبريل/نيسان 2017 كان وفياً ليوم 15 يوليو/تموز 2016، وإحدى ثماره ونتائجه، يوم بداية ربيع تركيا الجديدة، تركيا الوفية لقيمها وهويتها وحضارتها وتاريخها ودينها.

فهل سيسعى أعداء تركيا لإفساد ربيعها، كما فعلوا مع الربيع العربي وثوراته؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد