الضربة الأولى.. الضربة الأخيرة

الضربة على هذا المطار الذي لم يسمع به إلا القليل قبل الضربة لن يغير موازين القوى لصالح المعارضة المسلحة، ولن يضعضع قوة النظام أو يخلط الأوراق التي لا يزال يمسك بها داخلياً، ولا سيما في دمشق والساحل السوري.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/22 الساعة 03:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/22 الساعة 03:04 بتوقيت غرينتش

بدأت الولايات المتحدة الحرب على العراق في 2003 بصاروخ استهدف قصر الرئيس العراقي الأسبق، بحجة تورطه في هجمات سبتمبر/أيلول 2011 والأسلحة المحظورة التي يمتلكها.

سقط النظام العراقي في أقل من شهر، وسقطت معه كل حجج الولايات المتحدة تباعاً، وغرق العراق في الفوضى التي لا يزال يتخبط بها إلى الآن.

من هذا السيناريو ترتعد الممانعة وتصوره على أنه أبشع الشرور التي من الممكن أن تتعرض لها المنطقة. على أن كل المؤشرات تشير لعدم جدية الولايات المتحدة في إسقاط نظام الرئيس السوري الذي يتعرض منذ ربيع 2011 لثورة شعبية تحولت لصراع داخلي مسلح مع مشاركة وازنة لقوات منظمة ورديفة من المحيط الملتهب وتدخل روسي يدير العمليات العسكرية، وجزء كبير من السياسة السورية الخارجية والداخلية.

والأسباب التي تخدم عدم اهتمام الولايات المتحدة ومن خلفها الدول الغربية بإسقاط النظام السوري عديدة، منها:
1- الإدارة الأميركية الجديدة لم تُبدِ أي نية صريحة بإسقاط الأسد، بل على العكس من ذلك فقد عبرت مندوبتها في الأمم المتحدة قبيل الهجوم الكيميائي أن الأولوية هي للتخلص من تنظيم داعش الإرهابي، وحتى بعد الضربة على مطار الشعيرات في حمص صباح الجمعة لم يصرح ترامب – المعروف بتصريحاته غير المنضبطة – بأي تصريح حول إسقاط الرئيس السوري رغم توجيه السؤال له.

2- إبلاغ الروس والصينيين بالعملية قبل وقوعها بساعات يبعث برسائل واضحة ليس للقوتين الدوليتين فحسب، بل للنظام الحاكم في دمشق بأن الهدف ليس إسقاط النظام بقدر ما هو رد فعل روتيني على المقتلة الكيميائية في خان شيخون في الرابع من أبريل/نيسان الجاري.

3- تحلّي الإدارة الأميركية تقريباً بإجماع أعضاء حلف شمال الأطلسي للإقدام على عملية عسكرية في سوريا وتخلفها عن هذا، وإصرارها في 2003 على إسقاط النظام العراقي السابق رغم معارضة دولية واسعة.

4- الضربة على هذا المطار الذي لم يسمع به إلا القليل قبل الضربة لن يغير موازين القوى لصالح المعارضة المسلحة، ولن يضعضع قوة النظام أو يخلط الأوراق التي لا يزال يمسك بها داخلياً، ولا سيما في دمشق والساحل السوري.

5- ترامب يريد أن يقول: أنا لست أوباما العقلاني بمفهوم الكثيرين، والمتردد بنظر آخرين، وفِي نفس الوقت لا يريد الظهور بمظهر بوش النادم.

6- سياسة التدخلات المحدودة والمحددة بإتقان هي المفضلة للاستراتيجية العسكرية الأميركية، خاصة بعد التكلفة الباهظة لحربي أفغانستان والعراق، فالضربة السريعة والمحدودة تحقق الهدف وتقطف ثماره أميركياً بسرعة، ولا تؤلب الرأي العام العالمي، كما حال الاجتياحات الكبرى ومجموع خسائرها البشرية في الحالات العادية يعادل الصفر.

7- تشابك العمليات الأميركية في شمال العراق، ومؤازرة الأكراد، وخطر تنظيم الدولة القائم يكبح الولايات المتحدة من الدخول في عملية واسعة لإنهاء سلطة البعث خوفاً من فوضى تتيح لداعش التمدد أكثر.

8- كلام وزير الخارجية الروسي عن تفضيل إسرائيل لبقاء الأسد على رأس الحكم في الشام يلقى آذاناً مصغية ومتفهمة في البيت الأبيض، بل وحريصة على تمنيات كهذه إسرائيلية.

9- في حال اُتخذ قرار بالتدخل – وهو مستبعد – ستتبع إدارة ترامب سياسة الضربات المتتابعة التي انتهجتها إدارة كلينتون في أواخر تسعينيات القرن الماضي ضد نظام صدام حسين، أي تلازم عدم إسقاطه بتقيّده بحدود لعبة ستضيق تباعاً حتى الإنهاك، مما يؤدي لتورط أكبر لحلفائه معه.

ولذلك يبدو كل تهليل للضربة كفاتحة لحرب تسقط النظام السوري هي إلى الآن أوهاماً وأضغاثَ أحلام، أما النظام ومَن يقف معه فهم يتحملون مسؤولية استدراج كل جيوش العالم، وجذب الميليشيات الطائفية وتأمين بيئة خصبة لنمو وتكاثر المنظمات الإرهابية، وتلك جريمة من أطلق الرصاص على عزل ونزع حناجر صدحت بالأهازيج، واقتلع أظافر أطفال خربشوا ذات آذار على حيطان درعا "جاك الدور يا دكتور".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد