تدقيق: رزق
السارين.. صحوة الاستنكار!
لا أقصد أن أخفّف من هول مجزرة خان شيخون، ولا أن ألطّف من ألم صور أطفالها الذين قضوا بصمت، دون صراخٍ أو عويل.
6 سنواتٍ والدم لم يجف، لا استثناء في الموت، فشبحه حصد أرواحاً في بطون أمّهاتها، وأخرى انتظرته بعد سنين من الكدّ والتعب.
6 سنواتٍ والموت استنزف جميع طُرقه، جميعها دون استثناء، فكم من روحٍ ذهبت حالمة بلقمة طعامٍ، وأخرى بشربة ماءٍ! كم طفلٍ قضى برصاصٍ طائش، أو بصاروخٍ معدنيٍ جائر! كم من برميلٍ رُميَ وكم من سكيّنٍ سنّ! وكم من سيارة فخّخت وكم عائلة أُبيدت! كم طفلاً لفظته أمواجُ البحر بعد أنّ نظّفت دموع أهله بلاط المطارات المقفلة؟
وها نحن اليوم نستنكر وبشدة مجزرة قُتلَ فيها أشخاصٌ بعد استنشاقهم لغاز كيميائيٍ سام.
ما الذي أيقظنا اليوم لنستنكر؟ لا يمرّ يومٌ دون سقوط عشرات القتلى والجرحى، هل هي طريقة القتل التي لفتتنا أم جثث الأطفال النائمة للأبد دون جراح؟
أوَليس الغاز أرحم عليهم من البراميل والصواريخ؟
لا فرق في الموت ولا عذر له، والصور التي أيقظت مشاعرنا منذ أيامٍ نراها يومياً ولكنّنا اعتدناها، اعتدنا رؤيتها، حتى بِتنا لا نقرأ سطور رواياتها، اعتدنا رؤيتها حتى أضحينا محصّنين عن بشاعة تفاصيلها.
ضمائرنا التي حرّكتها صور طفلٍ يلفظ أنفاسه الأخيرة ما هي إلا رد فعلٍ كاذب من ضمائر اعتادت الاستنكار كل فينةٍ؛ لتعود بعده لسبات مقيت، عميقٍ لا صحوة بعده.
الاستنكار وإن خفّف من غضبنا، ليس إلا كلاماً تذروه الرياح، أضحت ضمائرنا، ويا لَلأسف، مشبعة بغاز السارين، فهي غير قادرة على التعاطف الدائم، مشتّتة خصالها، مرتبكة مشاعرها، لا تستطيع الاستمرار بمواساتها، ولا تقدر أبداً على الحفاظ على قراراتها، هي مسمّمةٌ، ولكنّها غير ميتة.
يا ليتها كانت ميتة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.