سعد الدين الشاذلي.. أبو العسكرية العربية

لقد طالب الفريق سعد الدين الشاذلي بأن يحاكم، لماذا لم يحاكم؟ إن كان السادات على حق، وأن انتصار أكتوبر المنقوص كان سببه الشاذلي، لماذا لم يفتح تحقيق في الأمر؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/11 الساعة 02:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/11 الساعة 02:04 بتوقيت غرينتش

11 فبراير/شباط 2011 يوم كُتب تاريخ جديد لمصر، يوم انتفضت فيه الملايين على الأبطال المزيفين، اتشح بالسواد الغيورون على أبطالنا الحقيقيين، يومها مات آخر الرجال المحترمين.

كان ينتمي لأسرة معروفة بالثراء النسبي، دخل الكلية الحربية في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1939، وبحكم تميزه وانحداره من عائلة معروفة انضم إلى الحرس الملكي، شارك في حرب 1948 تحت سرية الحرس الملكي، أسس فرقة المظلات في الجيش المصري، وشارك كذلك في القوات المصرية التي ذهبت للكونغو في عهد الرئيس عبد الناصر.

شارك في حرب 1967 بكتيبة سميت كتيبة الشاذلي، كانت تقدر بـ1500 جندي، وبعد الهزيمة نفذ واحدة من أروع عمليات الانسحاب في التاريخ العسكري العالمي، ونجح في الوصول بقواته إلى غرب قناة السويس دون خسارة تذكر.

عُين قائداً للقوات الخاصة التي تتشكل من قوات الصاعقة وقوات المظلات، ذاك هو رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية إبان حرب أكتوبر/تشرين الأول سعد الدين الشاذلي.

أعد الفريق الشاذلي خطة لحرب 6 أكتوبر، سماها المآذن العالية، وكانت تنقسم إلى جزأين: الجزء الأول كان يستهدف عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف بقوة خمس فرق مشاة ثم احتلال شريحة من الأرض بعمق من 10 إلى 15 كلم شرق القناة، والجزء الثاني سينفذ حين تتوافر الظروف والأسلحة.

بعد ثلاث ساعات من بداية الهجوم، كان هناك أكثر من 32 ألف جندي مصري عبروا القناة، يوم 9 أكتوبر 1973 كان كل ما كان موجوداً في الخطة على شكل أسهم ودوائر قد طبق على أرض الواقع، إلى هنا كل شيء كان على ما يرام.

يوم 12 أكتوبر أمر السادات بتطوير الهجوم لتخفيف الضغط على القوات السورية، وهو ما رفضه الشاذلي رفضاً قاطعاً بحجة عدم وجوده في الخطة، وأن خروج أي قوات خارج مظلة الصواريخ يعتبر هدية للطيران الإسرائيلي.

يوم 14 أكتوبر تم تطوير الهجوم، وهاجمت الفرقة 21 مدرعة واللواء 15 مدرع واللواء 11 ميكانيكي القوات الإسرائيلية، تم تدمير الألوية بالكامل بالطيران الإسرائيلي، وبلغ عدد الخسائر من الدبابات 250 دبابة في سويعات قليلة.

اختل توازن الجبهة، وأصبحت القوات من الجهة الإسرائيلية للقناة أكثر من القوات من الجهة المصرية للقناة، هذا الاختلال تسبب في ثغرة الدفرسوار؛ حيث تمكن أكثر من أربعة ألوية مدرعة إسرائيلية من عبور السويس إلى عمق الأراضي المصرية.

لسد الثغرة اقترح الشاذلي أن تسحب أربعة ألوية مدرعة من شرق القناة إلى غربها لتدمير الثغرة، وهو ما اصطلح على تسميته مناورة بالقوات، رفض السادات هذا الأمر رفضاً قاطعاً.

مجلة التايم الأميركية وصفت الشاذلي بأنه العقل المدبر للعبور، وبعد أيام يغضب السادات على الشاذلي غضباً تتوارثه مؤسسة الحكم.

وبدأت بعدها قصة الإهمال لبطل من أبطال العالم العربي

في أكتوبر 1974 تم تكريم جميع القادة، وتم استثناء الشاذلي من هذا التكريم، وفي محاولة بدت خفية للتخلص منه في الساحة المصرية، عيّن السادات سعد الدين الشاذلي سفيراً في بريطانيا، رغم عدم رضاء هذا الأخير.

كان الشاذلي عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً، وكان أستاذاً في التكهنات، استغرب موظفو السفارة المصرية من سبب دعوته لمارغريت تاتشر، وهي وزيرة التعليم آنذاك، بعد ستة أشهر من هذه الدعوة أصبحت تاتشر رئيسة الحكومة البريطانية.

في عام 77 قام السادات بزيارته الشهيرة للقدس، وأحس أن وجود الشاذلي في بريطانيا مصدر قلق فتم نقله إلى العاصمة لشبونة، تم بعد ذلك توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل، وعقد سعد الدين الشاذلي مؤتمراً صحفياً عالمياً، وأعلن فيه رفضه لهذه الاتفاقية.

في ظل نظام ديكتاتوري كنظام السادات اختار الشاذلي منفاه بنفسه وهو الجزائر، بقي في الجزائر لمدة 12 عاماً تمكن خلالها من توحيد الشباب المصري المعارض، وتمكن من كتابة "مذكرات حرب أكتوبر".

قرر الفريق سعد الدين الشاذلي بعدها العودة إلى مصر سنة 92 لكنه سجن بمجرد وصوله لمطار القاهرة، طلب منه أن يكتب رسالة استرحام واعتذار لرئاسة الجمهورية، لكنه رفض رفضاً شديداً.

حُكم على الشاذلي بثلاث سنوات سجناً مع تعجيل النفاذ بتهمة إفشاء أسرار عسكرية من خلال كتابه "مذكرات حرب أكتوبر"، قضى الشاذلي سنة ونصف السنة وصدر في حقه عفو قانوني خرج بموجبه من السجن.

على مدى 39 عاماً مورس على الشاذلي جميع صنوف الإهمال والإذلال والنسيان، نزعوا صوره من أرشيف القوات المسلحة، تناسوا صوره في معرض 6 أكتوبر بمدينة القاهرة، نزعوا دوره البطولي وأعطوه لحسني مبارك، اختزلوا حرب أكتوبر في الضربة الجوية حتى يعظموا دور حسني مبارك بصفته قائد لواء الطيران، تناسوه من كل مظاهر التكريم من الأوسمة والنجوم (نجمة سيناء)، كان ممنوعاً على الصحفيين الاقتراب منه أيام احتفالات أكتوبر، وعندما عاد من الجزائر حاكمه مبارك خوفاً من شعبيته، بعد 39 سنة كرمته الثورة المصرية، ولكن بعد وفاته، وكل هذا الإهمال يفتح سيلاً من الاستفسارات.

لقد طالب الفريق سعد الدين الشاذلي بأن يحاكم، لماذا لم يحاكم؟
إن كان السادات على حق، وأن انتصار أكتوبر المنقوص كان سببه الشاذلي، لماذا لم يفتح تحقيق في الأمر؟

تبقى مجموعة من الوقائع لا تزال أمامنا أن الشعب المصري وقع ضحية خديعة كبرى لم يكن يعلم بها، وأن حسني مبارك لم يكن بطلاً، وأن الشاذلي هو مهندس العبور والعقل المدبر لحرب أكتوبر، وأن الانتصار المنقوص لحرب أكتوبر سببه تدخل القيادة السياسية في العمليات العسكرية، وأن السادات نفى الشاذلي خوفاً من شعبيته، كما قال الشاذلي: "حياتي كانت مليئة بالمتاعب والمشاق، نتيجة أني كنت أتمسك برأيي وبالحق، ولكن بالرغم من هذه المشاكل، وصلت إلى أكبر منصب عسكري ممكن أن يطمع فيه إنسان، وهو رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وفي وقت من أصعب الأوقات، وهو حرب أكتوبر، فهذا من فضل الله، لا تخافوا لتقولوا كلمة الحق، قولوا كلمة الحق حتى لو تسبب ذلك في بعض المشاكل، ولكن تأكدوا أن هذه المشاكل مؤقتة، وأن الله سيعوضكم بعد ذلك، وتعويض الله سيكون أكثر إن شاء الله".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد