معذَّبون من أجل الحرية

ولا عجب من موقف الحكومات العربية على ما كان يحدث في سجن أبو غريب؛ لأن اعتراضهم لم يكن قوياً وقاطعاً؛ لأنهم يمارسون التعذيب في سجونهم بصورة أبشع وأقسى مما يمارسها المحتل الأجنبي في بلد عربي، فيخافون من فضيحتهم إن عارضوا بشكل واضح بدلاً من موقفهم المخزي آنذاك.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/01 الساعة 05:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/01 الساعة 05:01 بتوقيت غرينتش

ليست الحرية في تاريخ الإنسان حدثاً جديداً، أو طارئاً غريباً، وإنما هي فطرته التي فطره الله عليها، فلا يسع لأي شخص مهما كان منصبه ومركزه أن تطلبها منه، فالحرية أمر ثابت في الشرائع ودلَّت عليه السنن.

أين نحن مما يحدث في السجون الآن؟ ألم نعلم بكل ما يحدث لهم بالداخل وإن كان الأبشع مخفياً عنا؟ ألم تذَع الأخبار صباح مساء عبر الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي ويصدّروا لنا كل ما يستدعي قيام ثورة لا تُبقي ولا تذر أعتى طاغية؟

الحقيقة المؤسفة أننا اعتدنا كل هذا، فأصبح الأمر اعتيادياً تماماً، لم نفعل سوى ما نجيده، فقط البكاء والنحيب حتى الثمالة، فيهدأ الأمر ويتكرر ثانية ولا حياة لمن تنادي.

أصبح العالم الآن يعتبر أن ما يحدث في سجوننا المصرية أمر طبيعي، كان يحدث في عهد المقبور عبد الناصر، مروراً بالسادات ومبارك، وتمتد أطرافه إلى الآن، الأمر ليس صادماً بالنسبة لنا كمصريين ولا للعرب كافة؛ لأنه أمر معتاد داخل سجوننا؛ لأن ثقافة التعذيب متأصلة فينا قد يستنكرها الحكام أحياناً، لكنهم يمارسونها عندما يمتلكون مقاليد الأمور أو يصلون إلى سلطة قوية في الدولة.

وليس في مصر فقط، فما سجن صيدنايا العسكري عنا ببعيد، فالروايات التي تروى عن هذا السجن يشيب لها الولدان، جرائم ضد الإنسانية ترتكبها قوات الحكومة السورية، واحتجازهم لمعتقلين في زنازين بها جثث معتقلين آخرين، فظائع تحكي معاناة المعتقلين السوريين منذ لحظة القبض عليهم وأثناء التحقيق معهم واحتجازهم خلف أبواب مغلقة، وكثيراً ما تكون هذه الرحلة مميتة، ويكون المعتقل أكثر عرضة لمفارقته الحياة.

ابتلينا بأنظمة ديكتاتورية تسير على خطى الشمولية دون ملل، نسوا ما جاءوا لأجله إن كان له عقيدة ثابتة أصلاً، كالثيران التي تجد من القوة أن تنتطح في المجزرة وتنسى لمَ هي في المجزرة!

المعتقل أو السجن والتعذيب كلمتان مترادفتان في العقل اللاشعوري العربي، فحينما ترى أو تسمع عن معتقل أو سجن، يتوارد إلى ذهنك تلقائياً كيف يعذبون؟ ما التهم التي ألصقت بهم؟ متى سيخرجون؟ إن كان لهم من هذا المكان مناص أصلاً، أسئلة كثيرة تخامل خلدنا وتعبر عن واقعنا المزري المؤسف.

انتهاك الحريات وتضييق الأمور وعدم احترام حقوق الإنسان والتقليل من شأنه والاعتقالات غير القانونية دون تهم مسبقة، هي ممارسات لا بد أن ترفض جملة وتفصيلاً ليست محل نقاش من الأساس، مهما كان الفاعل ولا بد أن يعارض ويفضح كما فضح الإعلام الأميركي ما كان يحدث في سجن أبو غريب.

ولا عجب من موقف الحكومات العربية على ما كان يحدث في سجن أبو غريب؛ لأن اعتراضهم لم يكن قوياً وقاطعاً؛ لأنهم يمارسون التعذيب في سجونهم بصورة أبشع وأقسى مما يمارسها المحتل الأجنبي في بلد عربي، فيخافون من فضيحتهم إن عارضوا بشكل واضح بدلاً من موقفهم المخزي آنذاك.

أتمنى أن تصبح سجوننا بالنسبة لنا مثلما أصبح سجن الباستيل بالنسبة لفرنسا رمزاً لنهاية حقبة موجعة بتفاصيلها المؤلمة، بداية لحقبة جديدة في عالم يصبح أهم ما فيه حقوق الإنسان، ليس يكرم فيه الكلب عنا.

نحن أحق بحياة كريمة، أحق بأن نعيش على أرض تكثر فيها الجامعات وتخلو من السجون والزنازين التي لا نعلم عنها شيء، أحق بأن نعيش أحراراً كما خلقنا، فبأي حق اتخذتم منا عبيداً لكراسيكم وجعلتمونا وقوداً لحرب على مناصب واهية، المناصب ستزول يوماً كما زالت مناصب الذي خَلَوا من قبلكم، ستزولون كما زال هولاكو وبقيت سيرته باللعن تذكر، فالتاريخ لم يرحم ولن ينسى أحداً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد