نحو تجفيف منابع الاستيلاء على العقارات بالمغرب

انشغل مختلف المتدخلين في الآونة الأخيرة في حصر مداخل الخلل المؤدية للاستيلاء على عقارات الغير؛ نظراً لتراكم القضايا أمام المحاكم وتشعبها وعدم قدرة النص القانوني على مواكبة ما يعرفه مجال العقارات من حركية وتطور على المستويين التنظيمي والعملي؛ حيث يعتبر العقار عاملاً استراتيجياً للإنتاج ورافعة أساسية للتنمية المستدامة بمختلف أبعادها ووعاء لتحفيز الاستثمار المنتج والمدر للدخل والموفر لفرص الشغل

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/29 الساعة 02:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/29 الساعة 02:05 بتوقيت غرينتش

انشغل مختلف المتدخلين في الآونة الأخيرة في حصر مداخل الخلل المؤدية للاستيلاء على عقارات الغير؛ نظراً لتراكم القضايا أمام المحاكم وتشعبها وعدم قدرة النص القانوني على مواكبة ما يعرفه مجال العقارات من حركية وتطور على المستويين التنظيمي والعملي؛ حيث يعتبر العقار عاملاً استراتيجياً للإنتاج ورافعة أساسية للتنمية المستدامة بمختلف أبعادها ووعاء لتحفيز الاستثمار المنتج والمدر للدخل والموفر لفرص الشغل، كذلك لانطلاق المشاريع الاستثمارية في مختلف المجالات الصناعية والفلاحية والسياحية والخدماتية وغيرها، كما تبني عليه الدولة سياستها وتوجهها في مجالَي التعمير والتخطيط العمراني.

إلا أن هذا المجال يعد صرحاً لعدة تصرفات خارجة عن دائرة المشروعية؛ حيث يعرف عدة إشكالات على المستوى العملي، ومنبع الإشكال في بعضها ينطلق من الجانب التشريعي، الأمر الذي يمس الأمن العقاري وبحق الملكية المكفول بمقتضى الدستور.

تفاعلاً مع هذه الإشكالات وجَّه جلالة الملك رسالة ملكية إلى وزير العدل والحريات بتاريخ 30 ديسمبر/كانون الأول 2016، في شأن التصدي الفوري والحازم لأفعال الاستيلاء على عقارات الغير، ومواجهتها بخطة حازمة ومتكاملة من خلال اتخاذ ما يلزم من طرف كل الجهات والمؤسسات المعنية.

تماشياً مع هذا التوجه أصدرت وزارة العدل والحريات المغربية بلاغاً تبلغ فيه إلى عموم الرأي العام ما أسفرت عنه اجتماعات اللجنة المكلفة بموضوع "الاستيلاء على عقارات الغير"؛ حيث تم إحداث لجنة تتكون من ممثلي القطاعات الحكومية والمهن القانونية والقضائية (المشكَّلة من ممثلين عن وزارة العدل والحريات، ووزارة الداخلية، والأمانة العامة للحكومة، ووزارة الشؤون الإسلامية، والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، والمدير العام للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، بالإضافة إلى المحافظ العام على الأملاك العقارية، وممثل عن المديرية العامة للضرائب والوكيل القضائي للمملكة، ورئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب ورئيس المجلس الوطني للموثقين، ورئيس الهيئة الوطنية للعدول)

سعياً لملامسة الحلول تم اتخاذ مجموعة من التدابير الآنية في جانبيها الوقائي والقضائي من طرف اللجنة المذكورة، منها ما يهم الشق التشريعي، ومنها ما يرتبط بالمجالَين التنظيمي والعملي.

نمثل للمستوى التشريعي بتعديل المادة 4 من مدونة الحقوق العينية بإضافة الوكالة ضمن الوثائق الواجب تحريرها بمحرر رسمي أو من طرف محامٍ مؤهل لذلك، كذلك توحيد العقوبة المرتبطة بجرائم التزوير بين جميع المهنيين المختصين بتحرير العقود من موثقين وعدول ومحامين، بالإضافة لمنح النيابة العامة وقاضي التحقيق والمحكمة الصلاحية في اتخاذ تدبير عقل العقار موضوع التصرف إلى حين البث في القضية، مع عدم إغفال التعديل المتعلق بالسجل التجاري؛ ليشمل إلى جانب الشركات التجارية الشركات المدنية التي لا تمارس أعمالاً تجارية، وإضافة الجهة المسيرة للشركة ضمن النموذج 7 قصد تحديد وضبط مسؤوليات وصلاحيات المسيرين، خاصة في مجال تفويت العقارات.

أما على المستويين العملي والتنظيمي، فمن بين ما اقترح إنجاز إشهار رقمي من طرف المحافظة العقارية قصد تتبع الملاك لوضعية عقارهم دون تحمل عناء التنقل للمحافظة العقارية، وحصر العقارات المملوكة لمتغيبين أجانب أو مغاربة، وإحداث مركز إلكتروني للأرشيف يخص العقود المبرمة من طرف العدول والموثقين والمحامين، ودعوة النيابة العامة إلى الحرص على التدخل في الدعاوى المدنية المرتبطة بالموضوع، وكذا في ملفات تذييل العقود الأجنبية المتعلقة بتفويت عقارات الغير، بالإضافة إلى استعمال تقنية التسجيل السمعي البصري عند تحرير العقود من طرف العدول والموثقين والمحامين.

إلا أن الإجراء الأخير المذكور آنفاً خلف ردود فعل متباينة، وقد صدرت رسالة من طرف الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط موجهة للسيد رئيس المجلس الجهوي للموثقين بالرباط في هذا الصدد، جاء بها أن تحرير العقود وتوثيقها من الدعامات الأساسية لضمان استقرار المعاملات ومدخل من مداخل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال تشجيع وجلب الاستثمارات، فكلما كانت التصرفات والمعاملات موثقة ومستوفية لكافة أركانها وشروطها، وإلا وساهمت في تحقيق الأمن التعاقدي واستقرار المعاملات، إلا أنه بالرغم من هذه الضمانات، فقد تم رصد مجموعة من الإشكالات على المستوى العملي التي تؤثر سلباً على القيمة الثبوتية لهذه العقود، وتشكك في مصداقية مؤسسة التوثيق برمتها، من أبرزها إنكار بعض المتعاقدين لتصرفاتهم، الشيء الذي يعرض الحقوق للضياع ويمس بالأمن التعاقدي ويضر بالسادة الموثقين، مهيباً بكافة السادة الموثقين تفعيل ما جاء به بكل دقة وعناية.

إلا أن هذا المنشور خلف بدوره موجة من ردود الفعل من جانب مختلف الجهات المعنية، خصوصاً المقترح المتعلق باستعمال تقنية التسجيل السمعي البصري من طرف الموثقين عند تحرير العقود، لعل من بينها ما عبر عنه المجلس الوطني للموثقين من خلال اجتماع اللجنة الأخيرة؛ حيث أدلى برفضه التام والصريح للمقترح المشار إليه أعلاه، مبرزاً عدة مسببات أبداها أمام اللجنة المذكورة وهي كالتالي:

1- كون التسجيل السمعي البصري يتعارض مع الثقة التي وضعها المشرّع في الموثق والتي أهلته إلى إضفاء الرسمية على العقود والاتفاقيات، وأنه يعتبر تقزيماً وتشكيكاً واتهاماً للموثق، بل إنه يعتبر بمثابة القضاء النهائي على دور الموثق في تلقي الإشهاد.

2- كون هذا الإجراء سوف يؤدي إلى فقدان الثقة في مصداقية مهنة التوثيق ودور الموثق من قِبل المتعاقدين أنفسهم.

3- كون هذا الإجراء سوف يؤدي إلى فقدان المغرب لعضويته في الاتحاد الدولي للتوثيق كما وقع الشأن بالنسبة لدولة روسيا البيضاء.

4- كون أن تجهيز المكاتب بالكاميرات والميكروفونات والأقراص وآليات تخزين التسجيلات فيها إرهاق للموثق نظراً لتكلفته، ونظراً لاستحالة إيفائه بالغرض المطلوب؛ لأن أطول مدة ممكنة للتسجيلات لا تتجاوز ثلاثة شهور مما يجعل هذا الخيار بدون جدوى.

5- كون أغلب عمليات الاستيلاء على ملك الغير لم تتم عبر تزوير عقود الموثق المغربي، إنما عن طريق تزوير الوثائق الصادرة من السلطات الأجنبية بما فيها الموثقون الأجانب أو تزوير في الوكالات العرفية أو في بطاقة التعريف الوطنية، وهذه الحالات جميعها بعيدة عن وضع الموثق في قفص الاتهام حتى نتخذ إجراءات موازية من قبيل التسجيل السمعي البصري.

6- كون هذه الآلية سوف تلغي حجية الورقة الرسمية المقررة قانوناً وفق المادة 418 من ق.ا.ع، كما أنها تمس السر المهني المرتبط بأموال وحقوق المتعاقدين.

7- كون مسألة التسجيل السمعي البصري سوف تمنع تلقي الإشهادات وتصريحات العقود والتوقيع عليها خارج المكتب والمقررة قانوناً وفق المادة 12 من القانون 09.32.
8- كون اعتماد هذه الآلية فيه مس بالحقوق المدنية الدستورية للمتعاقدين بخصوص عدم قانونية تصويرهم وتسجيلهم.

هذه كلها تشكل اعتراضات دافع بها المجلس الوطني للموثقين عن المهنة في مواجهة الاقتراح المتعلق باستعمال تقنية السمعي البصري أثناء تلقي العقود، وبعد التداول في اللجنة المذكورة حول كل هذه الاعتراضات، قرر الوزير أن يوجه منشوراً لكل من هيئة المحاماة والعدول والوكلاء العامين وللمجلس الوطني للموثقين قصد التحسيس بأهمية اعتماد هذه الآلية على اعتبار أنها غير إلزامية، ولا يمكن فرضها على المهنيين وإنما هي آلية لها طابع توجيهي اختياري للتضييق على مَن لديه نية الاستيلاء على عقارات الغير، ولا تلزم أي طرف.

من بين كل هذه الإجراءات يحق لنا التساؤل حول مدى ملاءمتها للواقع وقابليتها للتطبيق على المستوى العملي مع ما تستلزمه من تكلفة اقتصادية وزمنية لإمكانية تفعيلها، وما مدى تأثير ذلك على المعاملات العقارية قصد تحقيق غاية الأمن التعاقدي.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد