أردت الاحتفال بـ”آذار” فكان احتفالاً بطريقة لم أعهدها

فتح زوجي الباب، فإذا بهم يسارعون إلى الداخل، يطلبون هويات أهل البيت، فعل زوجي ما أرادوا، فإذا بهم ينادون اسمي، أجبت بنعم، فاقترب اثنان مني قائلين: أنتِ رهن الاعتقال.. ارتديت جلبابي، ونظرت ناحية زوجي مودعة طالبةً منه أن يدعو لي، شعرت به يكاد يقع أرضاً لعجزه عن حمايتي..

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/22 الساعة 02:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/22 الساعة 02:05 بتوقيت غرينتش

أتى مارس/آذار هذا العام كعادته محمَّلاً بعبق الربيع، متخماً بهموم الذكريات، مثقلاً بجنين الأمل الذي ينمو داخل كل فلسطينية تنتظر أن ترى أحلامها، تنتظرها وتسعى إليها، فليس من ديدنها المكوث والانتظار، فكيف للمرابطة المجاهدة أن تهدر وقتها في الانتظار؟ في مارس تتفتح الأزهار وتشدو العصافير وتتكاثر المخلوقات، وتزداد المرأة جمالاً كما أُمنا الأرض.

من دون مقدمات طويلة وفي الساعة الحادية عشرة مساءً وقبل أن يغادر يوم الثامن من مارس/آذار، اليوم الذي تتذكر فيه المجتمعات المرأة وفضلها على المجتمعات وتحتفي بها وبإنجازاتها وبقضاياها، أخذت طرقات عيفة تدق الباب فجأة.. مَن الطارق يا تُرى؟ وماذا يريد بعد منتصف الليل؟ ولماذا لا يتأنى حتى أستطيع أن أرتدي شيئاً يسترني عن أعين الغرباء؟ إلا أن الطارق لم يتأنَّ.. فقد بدأ بالصراخ والتهديد والوعيد: افتحوا الباب وإلّا.

فتح زوجي الباب، فإذا بهم يسارعون إلى الداخل، يطلبون هويات أهل البيت، فعل زوجي ما أرادوا، فإذا بهم ينادون اسمي، أجبت بنعم، فاقترب اثنان مني قائلين: أنتِ رهن الاعتقال.. ارتديت جلبابي، ونظرت ناحية زوجي مودعة طالبةً منه أن يدعو لي، شعرت به يكاد ينفجر غيظاً، ويكاد يقع أرضاً لعجزه عن حمايتي.. طمأنته بنظراتي ووضعوا القيد في يدي.. كان بارداً، ضيقاً، شعرت بألم أخذ يزداد رويداً رويداً منه.

اقتادوني لسياراتهم التي تنتظر في الخارج، أصعدوني إلى إحداها، ووضعوا عصابة على عيني.. كنت رابطة الجأش جداً، كنت شجاعة لدرجة لم أتوقعها من نفسي.. شعرت بنفسي قوية وعزيزة، كملكة يحيط بها الحرَّاس من جميع الجهات.. رفعت رأسي إلى الأعلى بشموخ.. لم أسمح للقلق بأن يساورني، أو للضعف بأن يعتريني، ألست أماً لشهيد وأسير ومطارد؟ أخذت عهداً على نفسي أن لا أمنحهم شعوراً بالراحة التي يتمنون.. سأبقى كشجرة زيتون صامدة يصعب على الأعاصير مهما بلغ جبروتها أن تهزها، أو تخلخل جذورها.. أخذت أردد همساً بلحن: "إن عشت فعش حراً، أو مت كالأشجار.. وقوفاً"، أصغوا في البداية لصوتي.. ثم صرخوا بي: اصمتِي.

كانوا يعتقدون أنني سأكون فريسة سهلة لخداعهم وكذبهم ومراوغتهم، اعتقدوا أنهم سيغررون بي لأني امرأة، واعتقدوا أن ابني صابر سيرضخ لضغطهم عليَّ وسيسلم نفسه.. ولكن بُعداً لهم كما بعدت ثمود.. فمن ربَّى الرجال غيري؟ من أنشأهم ليكونوا مثالاً في الشجاعة والقوة والجرأة غيري أنا؟ ماذا بإمكاني أن أكون سوى قدوة حسنة أمام أبنائي ومثالاً للصمود والتحدي؟

صمتُّ، وصبرت وتحملت وكشفت ألاعيبهم وصمدت أمامها وأنا مصرة على إجابة واحدة: إنني لا أعرف أي شيء عن صابر منذ فترة طويلة.. أعياهم الملل مني وأخذ منهم اليائس كل مأخذ، وأعياني التعب والإرهاق وقلة النوم.. بعد ستة أشهر عانقت الحرية وكنت مطمئنة إلى أن عزيمة صابر كالصخر لا ولن تلين.. فإذا كان اعتقالي لم يفُت بعضده.. فأنا مطمئنة إلى أن ابني لا يثنيه شيء عن الدرب الذي اختاره لنفسه.. ما زاد من إيماني بسبيل المقاومة الذي أؤمن به، وغرسته في نفوس أبنائي أنني لم أسمع خلال اعتقالي عن مظاهرات خرجت للمطالبة بحقوقي، أو اعتصامات للتعريف بقضيتي ولفت الانتباه لها، وما أتعرض له في الأسر، ألست امرأة انتهكت حريتها؟ وتمت معاملتها بقسوة لا تليق بها؟ أم أن المرأة الفلسطينية تختلف عن باقي نساء العالم في الحقوق؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد