تصحو في الصباح الباكر وقبل توجهك للعمل، تلقي نظرة على هاتفك لتتحمس بعدها لتصفّح الرسائل، فتقرأ خبراً أو "برودكاست"، إن صح التعبير، يبشر بتحسن الوضع الاقتصادي بالدولة، مذيّلاً بعبارة "منقول من وزارة المالية"، وما إن تنتهي من الرسالة حتى تصلك أُخرى، ومن مُرسِلٍ آخر باسم وزارة النفط هذه المرّة؛ لتنفي البُشرى ذريعة انخفاض سعر النفط، وتعكّر مزاجك بخبر ارتفاع أسعار الوقود، وأنت بسيارتك قبل توجهك للعمل تلقي التحية على جارك، فتتبادل أطراف الحديث ليبلغك خبر استعداد الحكومة لاستقبال عاهل أحد البلاد المجاورة، وكأنه يلمح لتقارب في التوجه السياسي، وعندما تمر على زميلك لتذهبا معاً للعمل، يحرك نظارته قليلاً ليعيش دور الخبير السياسي، ويخبرك بأن الدولة ستستقبل رئيسَ دولةٍ أُخرى، ويلمّح هو الآخر لتطور وتقاربٍ سياسيٍ آخر، وعندما تسأله عن الوضع الراهن ومآلاته وتطوراته، سواء في الوضع السياسي أو الاقتصادي أو غيرهما، تستغرب من إجابته، بأنه قال المثقف فلان وتنبأ الخبير فلان وأوضح الخبر الفلاني، فتتذكر حينها أنه لا يوجد متحدث رسمي في الساحة من الأساس؛ ليمثل كل هذه الأوضاع بوضوح.
الدول ذات المؤسسات الحديثة توجب وجود متحدّث رسمي، بل تجد لكل حزب أو جمعية مدنية متحدثاً لتوضيح وضع هذه المؤسسات العامة الأفراد، أو ليكون ممثلاً أمام السلطة الرابعة "الإعلام"، ومجيباً لكل التساؤلات؛ لينفي الإشاعات وقبلها يطمئن الأفراد، لتكون الحكومة بحقائبها الوزارية تعمل في توجه وخطة واحدة "كما هو المفترض"، أمام أعين الأفراد بوضوح؛ ليعرف الأفراد إن كانت هناك هاوية يجب تفاديها، وليعرفوا إن كانت قريبة، وإذا كان لا بد من مواجهتها، بالتعبير العامي البسيط "لنعرف وين الله قاطن!"، المتحدث أو الناطق الرسمي هو المكلَّف بإذاعة ما يراه مناسباً من اتجاهات وقرارات وأخبار الحكومة ومواقفها المختلفة إزاء أحداث وقضايا مختلفة للرأي العام، ليس بالضرورة أن يكون عضواً بالحكومة، ولكنه يعبر "بوضوح" عن آخر مستجداتها، وهو من يتعامل مع وسائل الإعلام، وبذلك يزيح ستار الفضول للرأي العام.
في تاريخ الدول الحديثة عادةً ما يكون الناطق الرسمي لبقاً في الكلام، ودائماً يكون عبقرياً في الإجابة وردوده حَسَنَة، ولا يحمل تهوراً في حديثه أو إجاباتٍ غبية تَخَلُقُ استفزازاً للرأي العام وتحقن الشارع، أما اليوم حتى مواقع التواصل باتت منبراً تجعل أي مسؤول متحدثاً عن نفسه، وكم من تغريدةٍ غير موفقة في الوقت أو العبارة لبعض المسؤولين خلقت ردات فعل حادة في الرأي العام، ولك أن تتفكّر، مع تعدد الشؤون العامة تجعل الدول المتقدمة متحدثاً لكل شأن، متحدثاً للوضع الخارجي وآخر للاقتصادي، وغيره لمشروع المطار، ورابعاً للوضع التعليمي، وكلهم باسم الرسمية، لتوضيح التوجه ولتأكيد الرؤية، وحتى إن تطلب الشأن لغةً جديدة للمتحدث، على سبيل المثال تجد للكيان الإسرائيلي ناطقاً رسمياً متحدّثاً عن "نشازه" باللغة العربية موجهاً للجمهور العربي، بل حتى الشركات الخاصة والعالمية أوجدت لها متحدثاً لزبائنها، فهل من متحدث للملأ للأفراد للمواطنين؟
الشاب البسيط اليوم يشوب مصيره ومستقبله الغموض، غائبٌ تائه لا يعلَمُ إلى أين الوضع متجه، يجهل الظروف والمستجدات الحاصلة في الحكومة؛ لأنها ليست واضحة ورؤيتها أكثَرُ غموضاً، يحتاج لهذا الوضوح على أقل تقدير ليحسن رسم خطة حياته، قد يكون الخلل ليس في المتحدث، بل في الوزارات وهي ليست متعاونة بشكل صحيح برؤية واضحة؛ ليكون لهم أصلاً متحدث، قد لا يكون "المتحدث الرسمي" هو أصل الحل والعقدة في الحكاية، الرؤية، الرؤية عندما تكون واضحة تبنى عليها المؤسسات وترتكز عليها القيادات فيُخلَقُ التعاون، ثم بعد ذلك يخصص لهذا التناغم ممثِّلٌ عام باسم المتحدث الرسمي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.