أساليب العسكر لتطويع المعارضة

لا أدري طبيعة الاسم الذي من الممكن أن يطلق على هذا التكنيك، ولكنه تكنيك معني بتفريق الحشود الضخمة من خلال الزج بعناصر كثيرة من رجالات الأمن ومنتسبيهم والذوبان بين تلك الحشود، وما إن يحدث أي تنازل من قِبل السلطة مهما كانت ضآلته يقومون بالانسحاب، في محاولة لخلق انطباع عند عدد أكبر من المتظاهرين بانتفاء الحاجة للاحتشاد والتظاهر، وقد تحققت المطالب التي خرجوا من أجلها.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/20 الساعة 01:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/20 الساعة 01:54 بتوقيت غرينتش

من أخطر المشكلات الأمنية التي تعترض سلطة الانقلاب في مصر هي أن الانقلاب حرق الغالبية العظمى من أرصدته وتكنيكاته ورجالاته الأمنيين في فرنه هادفاً لإنجاحه، فانكشفت حيله، وانكشف رجاله، واستوعبت غالبية الشعب تلك التكنيكات، ومع ذلك لم ينجح الانقلاب بالطريقة الديمقراطية كما خططتها له دوائر الاستخبارات الغربية والعربية، وأصبح الطريق الوحيد لنجاحه الآن مع تنامي الأزمة الاقتصادية هو الاستمرار في طريق المدفع والرشاش، واصطناع التفجيرات لتخويف البسطاء الذين حرموا من الوعي السياسي، واستمرار ربطهم به كملجأ آمن أخير لهم.

وكلنا نعرف منذ فترة طويلة التكنيكات السياسية التي تقوم بها النظم السياسية من أجل استمرار بقائها، لكن الجديد الذي انكشف من خلال هذا الانقلاب هو تلك التكنيكات التي يدس بها النظام في صفوف معارضيه أنفسهم ساعياً من خلال ذلك لتمزيق الجبهة المناوئة له، وإن تمزقت يسعى لإبقائها صورياً كديكور ديمقراطي.

هذه بعض تلك التكنيكات نرصدها عسى أن تتمكن التجربة الحزبية القادمة في مصر بعد كسر الانقلاب وفي العالم العربي من تطهير نفسها، حتى نتمكن من إقامة حياة سياسية سليمة وديمقراطية.

الأمصال:

تقوم هذه النظرية على ما يقوم به الأطباء والكيميائيون من حقن المريض المصاب بأي "فيروس" حي، بـ"فيروس" آخر، ولكن ميت، ما يؤدي إلى تسمم الفيروسات النشطة وقتلها.
وبناء على هذه النظرية، ارتأى ساسة كامب ديفيد الأوائل في مصر، صناعة مناخ سياسي واسع التنوع، ولكنه تنوع مسموم خانع ومهادن، يقوم بالتخديم على ديمومة السلطة الحاكمة في الحكم، ولا يفكر في منافستها، ولا أن يصل إلى الحكم بدلاً منها أصلاً، ولا حتى يحمل أفكاراً سياسية أو اجتماعية يرغب في تطبيقها، ولكنه تنوع يكتفي شخوصه فقط بما يلقى عليهم من فتات السلطة، فيوزعونه بينهم وبين أسرهم وحاشيتهم.

ودعوني أتصور السادات حينما كان يدشن لتطبيق هذه الفكرة، حالماً بأن يقيم حياة سياسية تبدو كأنها متنوعة، ولكنها في الحقيقة كلها تدين بالولاء المطلق له ولنظامه الديكتاتوري غير الوطني وغير الديمقراطي.

دعوني أتصوره ينثر المخبرين والمرشدين الأمنيين، وما أنتجته مفارخ أمن الدولة، هنا وهناك حينما أطلق عملية المنابر طالباً أن يكون هناك منابر لليمين ومنابر لليسار ومنابر للوسط تتطور جميعها في مرحلة لاحقة لتصبح أحزاباً، ودعوني أتصوره وهو يأمر رجاله بأن يشكلوا منابر وأحزاباً تخلو جميعها من أنصار الفكر الحقيقي، فتأسست أحزاب يسارية بلا يساريين، وقومية بلا قوميين، وناصرية بلا ناصريين، وليبرالية بلا ليبراليين، وإسلامية بلا إسلاميين، وقامت هذه الأحزاب بادعاء تمثيل هذه الألوان الفكرية في المناخ السياسي دون وجود حقيقي للمتلونين بتلك الأفكار.

ولا عجب إن قلت إن الغالبية المطلقة لأحزاب ما بعد ثورة يناير/كانون الثاني الموءودة، التي تبلغ تقريباً 93 حزباً كانت من هذه النوعية من الأحزاب الوهمية.

الفتائل :

تقوم هذه النظرية على "الفتائل"، التي يقوم الطبيب بغرسها للمريض الذي يعاني من الدمامل والبثور والتجمعات الدموية الفاسدة، بحيث يتم غرس الفتيل القطني بين أنسجة الجرح المتقيح، وتركه لمدة وجيزة حتى تتجمع بقايا المواد الفاسدة عليه ثم يتم سحبه مجدداً وإلقاؤه في القمامة.

ويأتي إنشاء أحد الأحزاب الدينية المصرية كواحد من أشهر التطبيقات لهذه النظرية وأكثرها وضوحاً، فالحزب غرسته أجهزة الأمن بين فصائل الإسلام السياسي، ولقد تجمع هواة العمل السياسي من الإسلاميين حوله؛ نظراً لما اتخذه من مواقف سياسية متشددة من مسألة تطبيق الشريعة في محاولة لإيهام قطاعات الإسلاميين بأنه الحزب الأكثر حرصاً وصدقاً في الدفاع عن العمل السياسي الإسلامي، مما مهد لوثوق غلاة الإسلاميين به، وبالتالي تم حصرهم وتصنيفهم أمنياً، فضلاً عن أن الحزب يعتبر واحداً من أكثر التيارات السياسية التي أساءت للإخوان المسلمين ونسبت جميع شطحاته إليهم.

وفي حين أن معظم قاعدة الحزب المستهدف حصارها هي الآن في السجون، وهناك مؤشرات على أن الحزب يهيئ نفسه للحل بعدما أدى دوره، في الإساءة للإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية وتيار الإسلام السياسي بشكل عام، كما نجح في حصر الإسلاميين الراغبين بالعمل السياسي، وبالتالي مكن السلطات من حصرهم والتعرف عليهم؛ لتمكينها من القضاء عليهم، وهو ما حدث بعد الانقلاب إما قتلاً أو سجناً أو نفياً، وبالتالي لا يكون مدهشاً أن ينقلب تشدد قادته قبل الانقلاب إلى تسامح بعده، بعدما عرفنا الدور الحقيقي لإنشائه.

ولا أستبعد أن يكون السماح بتأسيس كل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية بعد ثورة يناير كان فقط بهدف إحصاء أعضائها، خاصة حزب الحرية والعدالة الذي لم تكن أجهزة الأمن تعرف منه سوى القيادات.

القطعان:

وتنبع هذه الفكرة من قطيع الأبقار، فقد لاحظ الساسة أن الراعي الأميركي الواحد كان يسوق بمفرده بضع مئات من الأبقار في الغابات، من خلال تدريب بقرة أو عدة أبقار على إشارات يصدرها لها بالتوجه يمنة أو يسرة، أو التوقف وغيرها، وحالما توقفت تلك الأبقار المدربة التي تتصدر القطيع فإن القطيع كله يحذو حذوها.

وبناء على هذه الطريقة، راح نظام مبارك -نظام مبارك هو نفسه نظام السيسي- يصنع معارضيه، ويعطيهم أدواراً سياسية واجتماعية، ويقدم لهم تنازلات تجعلهم يبدون كما لو كانوا قيادات شعبية، تضحي من أجل تحقيق مبادئ فكرية تتعلق بالقيم الوطنية، وتناصب النظام السياسي العداء انتصاراً لقيم العدل والحرية، وأن النظام السياسي القائم يخشى تلك "النخب"، ويحسب لها الحساب، ويسمح لفرد القطيع مثلاً بمهاجمة الوزير والخفير بكل حرية دون مهاجمة الرئيس، أو مهاجمة هؤلاء الذين يديرون المشهد السياسي بشكل حقيقي، بل إن النظام السياسي لو تعرض لأزمة عنيفة مسّته في مقتل نجد هذه النخب تنحاز تلقائياً للنظام، وبالطبع ينحاز معها القطيع الذي هو عبارة عن قطاعات واسعة من الشعب تعاني أمية سياسية، وتعتبر أن هذه النخب هي معيار الوطنية والوعي السياسي.

شق الصف:

لا أدري طبيعة الاسم الذي من الممكن أن يطلق على هذا التكنيك، ولكنه تكنيك معني بتفريق الحشود الضخمة من خلال الزج بعناصر كثيرة من رجالات الأمن ومنتسبيهم والذوبان بين تلك الحشود، وما إن يحدث أي تنازل من قِبل السلطة مهما كانت ضآلته يقومون بالانسحاب، في محاولة لخلق انطباع عند عدد أكبر من المتظاهرين بانتفاء الحاجة للاحتشاد والتظاهر، وقد تحققت المطالب التي خرجوا من أجلها.

ولقد رأينا هذا النوع في عدة تظاهرات في ميدان التحرير وغيرها، كما بدا ذلك ظاهراً جلياً في عمليات تفجير الأحزاب من الداخل، وهو ما حدث مع أحزاب مصر الفتاة، والعمل والقومي، والأحرار، وغيرها.

السمَّاوي:

"السمَّاوي" هو الرجل الذي يقوم باصطياد الكلاب الضالة من خلال تقديمه وجبة شهية لها، ولكنها مسمومة، وهذه الوظيفة عرفت في مصر منذ عشرات السنين، لكن السلطة الحاكمة ارتأت تطبيق هذه الوظيفة في العمل السياسي، من خلال الزج بأحد عناصرها المعروفين بالحكمة والبلاغة في الكتل أو الأحزاب السياسية الكبرى، وتمكينه من أخذ دور قيادي عبر أنواع أخرى من العملاء في هذه الكتل أو الأحزاب، فيقوم هذا الشخص بإصدار قرارات من شأنها انفضاض الناس عن الحزب أو الإساءة إليه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد