سلّم نفسك.. المكان كله مُحاصر

طالعتنا وثائق "ويكيليكس" الأخيرة المسربّة من أرشيف وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، بنبأ يشبه الى حد بعيد أفلام الخيال العلمي؛ إذ تفيد الوثائق بأنه بمقدور الأجهزة الذكية من هاتف وتليفزيون وغيرها التنصت علينا ومراقبتنا، إذا ما شاءت أميركا!

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/19 الساعة 04:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/19 الساعة 04:20 بتوقيت غرينتش

حتى أول من أمس، كنت أعتقد أنني من يراقب الثلاجة في المنزل. إلا أن "الوجبة" الأخيرة من وثائق "ويكيليكس" بدّلت قناعاتي بالكامل وأثبتت لي أن الثلاجة هي من تراقبني!

لمن لم يعلم بعدُ، طالعتنا وثائق "ويكيليكس" الأخيرة المسربّة من أرشيف وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، بنبأ يشبه الى حد بعيد أفلام الخيال العلمي؛ إذ تفيد الوثائق بأنه بمقدور الأجهزة الذكية من هاتف وتليفزيون وغيرها التنصت علينا ومراقبتنا، إذا ما شاءت أميركا!

للوهلة الأولى، ظننتُ أن القضية معقدّة بعض الشيء، وأن الأمر يتطلب العديد من الإجراءات التقنية قبل الولوج إلى الأجهزة الذكية للضحية. لكن سرعان ما ستلجأ إلى الاستبطان وتجدُ عقلك محاولاً استرجاع كل الأحاديث و"الزلّات" التي ارتكبتَها أمام جهاز التليفزيون، بعد أن تكتشف أن التنصت عليك لا يستلزم أكثر من إدخال بضعة أوامر بسيطة جداً (وبإمكان أي شخص حتى لو كان أمياً تماماً بلغات البرمجة الإلكترونية تنفيذها).. و"ذاتس إت".

لقد اعتدنا، طوال آلاف السنين على هذا الكوكب، الحفاظ على خصوصياتنا الفردية. تنشأ الحروب تاريخياً لأجل الخصوصية:

خذوا حرب "البسوس" مثلاً. بعد أن قتل "كليب بن ربيعة التغلبي" ناقة "سعد بن شمس الجرمي"، استنفرت قبيلة "بني شيبان" كل ما هبّ ودبّ من غنم ونوق و"طناجر" ضد قبيلة "تغلب" طلباً للثأر.

قد يسأل سائل: وأين الخصوصية في حرب "البسوس"؟! صراحةً، لا أعلم ما دخل الخصوصية بذلك، ولكن الحادثة تاريخية ولا بدّ أن نذكرها في معرض استرجاع الحضارة العربية المجيدة، قبل أن نشتم أميركا.

طيب، بلاش البسوس.. جارنا مثلاً يقاتل بشكل يومي زوجته لأجل الخصوصية، فهي تعتقد أن من حقها الأمني البحث في هاتفه عن كل ما يثير الشبهات، في حين يجد المسكين نفسه كل ليلة مضطراً إلى التفسير والقَسَم بأن "عبدو الحلو" هو فعلاً اسم الميكانيكي الذي يصلح السيارة، وليس اسم التمويه لعشيقة مفترضة.

في مصر، مع كل فصل دراسي يحارب الأساتذة لأجل حق إعطاء دروس "خصوصية".

دعكم من الترهات أعلاه. ما يحصل من "تذابح" بين شعوب الشرق الأوسط، أليس لأجل حماية الخصوصية المذهبية والقومية والفئوية؟ ألم تقل لنا أميركا إن خصوصياتنا مهدَّدة من الآخرين؟

قبلنا بالتقاتل بعد أن زرعت فينا أميركا "غيرةَ" الخوف على الخصوصيات الضيّقة والمقيتة.. أما فينا من يغار على خصوصياته الإنسانية بوجه أميركا؟!
ارفعوا الصوت عالياً.. ثوروا.. أو سلِّموا أنفسكم.. "المكان كله محاصر".

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد