يتهافتون فيتهاوُون

لكلّ نظام سياسي أو أيّ نظام حُكم معارضة، سواء أكان الحكم صالحاً أم طالحاً، وهذا الأمرُ موجودٌ منذ أن عثرَ أحدهم على فكرة اختيارِ قائدٍ للأفراد، وكلُّ معارضةٍ هدفُها تغييرُ الحُكم حتى تحكمَ هي، وغالباً ما تكون الأعذارُ مقنعة، لا سيما في وقتنا هذا؛ إذ إنّ الحُكام لم يتركوا أيَّ حُجةٍ لغيرهم من أجل الإطاحة بهم.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/09 الساعة 01:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/09 الساعة 01:27 بتوقيت غرينتش

أنا أتكلم هنا بمثالية، فمن لا يعجبه ذلك فلا يضيّع وقته بالقراءة.

لكلّ نظام سياسي أو أيّ نظام حُكم معارضة، سواء أكان الحكم صالحاً أم طالحاً، وهذا الأمرُ موجودٌ منذ أن عثرَ أحدهم على فكرة اختيارِ قائدٍ للأفراد، وكلُّ معارضةٍ هدفُها تغييرُ الحُكم حتى تحكمَ هي، وغالباً ما تكون الأعذارُ مقنعة، لا سيما في وقتنا هذا؛ إذ إنّ الحُكام لم يتركوا أيَّ حُجةٍ لغيرهم من أجل الإطاحة بهم.

سابقاً كانت الثوراتُ لا تطول، وإنْ طالت فلأسبوعٍ واحدٍ، ثم تُجنى الثمار، أما اليوم فصرنا نعدّ السنواتِ تلوَ السنوات، وضاعتْ علينا السلةُ وثمارُها، لم نَجنِ سوى مؤتمراتٍ دوليةٍ لوفود المعارضةِ وكثيرٍ من القنوات الفضائيةِ والمواقعِ الإلكترونيةِ الداعمةِ للمعارضة المزعومة، وكيلٍ بالوزن الذي تحبّذه: ناشطين وثوّار، أمّا الأرضُ فلا نجد عليها غيرَ الدمارِ والخراب. وإلى البعيد جداً، نرى مُدناً قُماشيةً أنشئتْ للسكان الذين عيّشتهم المعارضةُ بحُلم التغيير، وجاء التغييرُ فعلاً، لكنه تغييرٌ عكسيّ!

حضرةُ المعارضِ المحترم: أُدركُ حجمَ الامتيازاتِ التي تحصل عليها، وأستوعبُ حجمَ التغييرِ الذي طرأ على مظهرك منذ أن بدأتَ تحضر اجتماعاتِ المعارضة، وأتفهّم جَمالَ الدولِ التي صِرْتَ تزورها، لا سيما روعة فنادقِها ذواتِ النجومِ الخمسة، لكنْ أريد أن أفهمَ أمراً واحداً، لماذا يسيرُ الوضعُ نحوَ الأسوأ في العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر وفلسطين وكلّ مكان؟ ألا تفكّرون بأنكم فشلتم فشلاً ذريعاً يُقدّر بأضعاف فشلِ الحاكمِ الذي تريدون إسقاطَه؟

ثم لماذا ينادي الجميعُ بالوطنية! والجميعُ تُديره أيادٍ خارجيةٌ مشهودٌ لها بتدمير الأوطانِ التي يُفترَض أن يُدافعَ المعارضُ عنها وعن كرامتها! وإنْ كان لا بدَّ من التعاون مع عدوِّ عدوّي، أي أن نجدَ مسوّغاً للاستعانة بالأجنبيّ الذي لا يخطو خُطوةً واحدةً معنا دون مقابل، فالتعاونُ يكون لمدة أيام، وإنْ طالت فلبضعةِ أسابيع، أيْ أنّها عَمالةٌ مؤقتة، وشرطُ ذلك أن يأتيَ المعارضون بنتائجَ تسوّغ الاستعانةَ بالغريب، لكنّ الأمرَ طال لسنوات، وأضحت القضيةُ سلعةً رخيصةً تباع وتشترى، والسماسرةُ دعاةُ التغييرِ هم المنتفعون، وسلعتُهم وطنٌ ذبيح وكثيرٌ من النازحين في مدن القماش التي كُتب عليها "شيّدت بعهد معارضةِ الحاكم فلان".

يصعب عليَّ وأنا الذي صرتُ أكتبُ بمثاليةٍ "مؤقتاً" أو كمتابعٍ للشأن المحليّ والإقليميّ، أن يُقنعني مُعارضٌ يسكن في بيتٍ فارهٍ، بدولةٍ جميلةٍ تنعم بالأمن والأمان، ويطير كهُدهدٍ بين البلدان، يحضر مؤتمراً هنا ويوقّع اتفاقيةً هناك، يعقد الاجتماعاتِ السريّةَ والعَلنيةَ دون الإفصاحِ عن النتائج، ولا يحلو له الجلوسُ إلا مع مخابراتِ بعضِ البلدان، لا يُقنعني هذا المعارضُ الذي لم يجد ولو حتى بصيصَ أملٍ لمن تحوّلتْ صفاتُهم في عهد تمثيلِه لهم من مواطنين إلى لاجئين ونازحين، لا يقنعني لأنه منذ سنواتٍ يعارض ولم ألمسْ أيّ نتيجة من غبائه السياسي، ولا يبدو أنه بعد أن أضحى جميلاً وأنيقاً وتنعّم بفنادق أوروبا، أن يكون لا إنسانياً "كما يصف المقاومين منْ يدعمُه"، ويعودُ لحمل السلاحِ مرةً أخرى. نعم، الحديثُ في الميّت يجلب المواجعَ، ورحمَ الله سلاحَ المعارضة.

وأريد أن أسأل وأنا المواطنُ السابقُ والنازحُ أو اللاجئ الحالي: ما الفرقُ إذا استبدلنا فاسداً بفاسد؟ عميلاً بعميل؟ مرتزقاً بمرتزق؟ كاذباً بكاذب؟ خائناً بخائن؟ ما الفرقُ بين من يعقد المؤتمراتِ في الداخل للضحك على الذقون، ومن يعقدها في الخارج والنتيجةُ ذاتُها؟ ما الفرق بين حاكمٍ لم يحقق إنجازاً يُذكر بحُكمه ومُعارضٍ لم يحقق أيَّ نتيجةٍ مرجوّةٍ بمعارضته؟ ولماذا جميعُهم يشتركون في بيع الشعبِ، والدماءُ تُسفَك على الجانبين!

الإنسان حينما يحاول تغييرَ وضعِه يجب عليه أن يغيّره للأفضل، وإنْ حصل غيرُ ذلك، يُطلق عليه من يعرفه صفةَ الغباء، أو يقال عنه سيّئَ التدبير، لكونه غيّرَ حالَه نحوَ الأسوأ، حيث كان عليه أن يحسب حساباً للمخاطر التي قد تواجهه إذا ما غيّرَ مكانه أو غيّر حاله، إلا معارضةُ حُكّامنا فلا يحسبون إمكانياتهم ولا يوجد لديهم تخطيطٌ ولا خطط، ولا يتمتعون بأيّ ثباتٍ على موقف، ولا يَدري من يسير خلفَهم كيف ستكون النهاية! ما زلتُ لا أفهم طبيعة نهجِهم، فهو ليس بالنهج الإسلاميّ ولا بالنهج القوميّ ولا بالنهج الاشتراكيّ، وكأنهم يسيرون بمبدأ "كلّ يومٍ بيومه"، أي أنهم لا يحسبون حساباً للغد ولا يحسبون حساباً لمن في ذمّتهم أو من يمثلونهم على الأرض، يسيرون وَفق الأهواءِ الدولية، وما يُملى عليهم من الخارج كأنهم موظفون لدى دولٍ، وليسوا ممثلين لشعبٍ منكوب!

أرى حالهم كحال منْ ذكرهم النبيُّ محمدٌ -صلَّى الله عليه وسلّم- بهذا الحديث الشريف: "إذا تبايعتم بالعَينة وأخذتم أذنابَ البقر، ورضِيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلّط الله عليكم ذُلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم"؛ لأنهم فعلاً يبيعون الأمل بالآجل، وانشغلوا بأطماعهم الشخصية حتى تركوا واجباتِ العباد تُجاه ربّهم، بل إنهم عملوا على إرجاع السيوف إلى أغمادها كلما أُشهرت بوجه الظلم والاستبداد، من أجل مصالحهم الضيقةِ وأهدافهم الوضيعة.

الحياة التي لم يكن يرضى بها الأهالي المعترضون على حكم الحاكم الظالم صارتْ حلماً لهم، بأن يعودوا ويلتئم شملُهم مع أحبتهم بعد أن تشظَّوا بين البلدان والمخيمات، ودمّرت الحياة والممتلكات بسبب الصراعات غير المحسوبة نهاياتها، والسير خلف دول وأمم نفّذت مشاريعها بأيدي أبناء تلك المناطق الذين صاروا ألعوبةً وأدواتٍ لمشاريع من سعى لتدمير البلدان واحتلالها على مرّ العصور.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد