لا تُمطِرُ السماءٌ ديمقراطيةً للحالمين

أما إنجازات القائد الابن فكان أولها تجميد نشاطات ربيع دمشق، مروراً بالاعتداءِ على الأكراد في القامشلي 2004، وليس انتهاءً بمجازر الإبادة والتغيير الديموغرافي اللذين ما زال جارياً العمل بهما منذ ما يزيد عن نصف عقد، فإذاً، هكذا "كنا عايشين" تماماً في "شقّة عنتَرة"

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/01 الساعة 02:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/01 الساعة 02:55 بتوقيت غرينتش

"أَمَا كانَ الأجدى لنا لو انتظرنا تطوُّر العملية الديمقراطية في سوريا؟!"، هو السؤال الثاني الذي يكادُ يصدِّعُ الرماديّون به رأسي بعد أن يومِئ إليَّ أولاً ويقول "كنا عايشين، دمّرتوا البلد!"، وقبل أن أشرعَ بالحديث عن عملية التطور الديمقراطي في سوريا فعلّني كمواطنٍ سوري عشتُ في إحدى أكبر المدن المجاورة للعاصمة أشرحُ "كيفَ كنّا عايشين"، فعداكَ عن الرشوة والفساد بكل أجهزة الدولة والمعتقلات التي تمتلئُ بالأبرياء، ومكاتب الدولة التي تعجُّ بالياقات الفاخرة من السارقين "المحترمين" برتبة عميد أو وزير،

ثمّ عداك عن تقييد الحريّات الشخصيّة ونهب أموال التعليم – ربما لبناء سجون أكثر- وهدر أموال الشعب وتفشّي ظاهرة "مُخبِري الدولة"، مروراً باختزال الوطن بشخص القائد الأوحد وفساد القضاء والعدالة المشوّهة وليس أخيراً ابتزاز المواطنين على غرار تلك اللافتة التي عُلِّقت في أكثر شوارع مدينتي ازدحاماً مخطوطةً بجملة "الشعوب تحرقُ نفسها لتغيّر رئيسها، بينما نحرِقُ أنفسنا لتبقى سيادة الرئيس"، وذلك في خضم غليان الشارع على أعقاب ثورة الربيع الأم في تونس، ناهيكَ طبعاً عن الفقر في دولةٍ تُعطي مواردها الحق لشعبها في العيش حياةً كريمة.

قد يمكِنُ للمتعقّبِ للحقيقة وببحثٍ بسيط أن يرى أن حالنا قبل عام 2000 كان أشبه بمعتقلٍ كبير ونحن فيه رهائن آل الأسد، ما أشبه اليوم بالوضع في كوريا الشمالية، فالدولة في حالة طوارئ والشعب يُساق حسب سكرةِ الجلّاد ورغبته، فإن وقف حَيّوه وإن تكلّم صفّقوا، وإن لَم يفعلوا هدَم عليهم مدنهم وشرّد عوائلهم وأبقاهم حيثُ يتوقون للموت فلا يجدون.

أما إنجازات القائد الابن فكان أولها تجميد نشاطات ربيع دمشق، مروراً بالاعتداءِ على الأكراد في القامشلي 2004، وليس انتهاءً بمجازر الإبادة والتغيير الديموغرافي اللذين ما زال جارياً العمل بهما منذ ما يزيد عن نصف عقد، فإذاً، هكذا "كنا عايشين" تماماً في "شقّة عنتَرة".

وبالعودة للسؤال الثاني حول التحوّل الديمقراطي الذي يمكن أن يتحقق عبر الزمن وهو حجّة الرماديين السرمدية، فإنه يتوجّب عليّ بدايةً القول: إنني أحتفظُ لمؤيدي الأنظمة بقدر أكبر من الاحترام الذي يُمكن أن أكنُّه لأولئك الرماديين – هذا على اعتبار أنني أمتلكه لكليهما أساساً- والسّبب بلا شك هو أن مؤيّدي الأنظمة القمعية قد اختاروا أن يُحجَبوا عن الحقيقة ويقفوا بجانب الطغاة ويمارسوا في وضح النهار ما اعتادوا قبل ذلك ممارسته في الليل، وهو قتلُ ووأد الحق وقد امتلكوا كل القوة سابقاً لمحاربته، أما الرماديون فإنهم وحسب زعمهم قد اختلطت عليهم الأمور فلَم يستطيعوا التمييز بأن القتل والقصف والتغييب القسري هي جرائم، بل هي بظنّهم فتنة، فصمتوا عنها وسموا أنفسهم أغلبيةً صامتة، ولم يدروا – أو لربما علموا- أنهم بذلك ساندوا القَتلة وثقّلوا كفّتهم في قتالهم ضد شعوبهم.

أما عن التحوّل الديمقراطي، فبالحديث عن ربيع دمشق الذي بدأ مع موتِ الأب ووُئِدَ بعد قَسَم الابن بسبع شهور ثم الاعتداء على مكوِّنٍ من الشعب محروم من أقل حقوق المواطنة، وهي جنسيته على أرضه التي تكاثر أجداده عليها لعقود وليس انتهاءً بملاحقة موقّعي بيان دمشق، حدث ولا حرَج طبعاً عن محاربة الإسلاميين والإيقاعِ بهم عبر تمثيليات إرسالهم "للجهاد" في العراق، وليس انتهاءً طبعاً بالمجازِر الممتدة منذ 2011.

والسؤال هنا: هل كان هذا النظام يمكن بكل خرسانته الأمنية واعتباراته بأحقيته بامتلاك الشعب، كل الشعب بأرواحه وثرواته وأحلامه، قادراً يوماً بهذه المعتقدات الإجرامية أن يولِّد نموذجاً ديمقراطياً؟

وإن كان نعم، فلماذا إذا انحدرت الحريات في سوريا بشكلٍ غير مسبوق منذ تولي البعث للسلطة، ابتداءً بقمع احتجاجات الـ64 ومروراً باحتكار الحياة السياسية على الحزب الواحد والقائد الواحد الذي يحصل دائماً على زهاء المائة بالمائة إلا قليلاً من الأصوات؟!
أليس نصف قرنٍ من الزمن هو فترة كافية لإظهار أي تطور في العملية الديمقراطية في هذا البلد المتنوع؟

منذ بداية السبعينات وخلال الثمانينات بالتحديد هاجر من سوريا الآلاف من المفكرين الذين احتكر السّاسة حقوقهم، تراهم مبعثرين في دول العالم ولكلٍّ منهم حكاية لا تنتهي فصولها، حكايةٌ بطلها الشرير هو "عنترة" الذي سكنَ الدار بعد أن سلبها من قاطنيها، تراهم في دولٍ لا تعرفهم ولا يعرفونها، ولا يحبّون هواءها ولا رقيّها، ولكنَّهم اختاروا أن يَُشرّدوا خلف الحدود عن أن يكونوا شِياطين خُرسَاً أو أن يلعقوا رضا الزعيم؛ لكي يُبقيهم تحت جناحه.

"الحقُّ لا يُعطى، بل يُنتزَع" هي أكثر ما تكون طريقةً ملائمةً لوصفِ معاركِ الشعوب ضد الأنظمة التي تحاول مصادرةَ فكرِها وثرواتها، قد تتبدَّلُ الوسائل والظروف، ولكنَّ الأصل في ذلك هي أنها معركة بين الحق والباطل، وحاشى أن يُجافي الحق هذه الشعوب الطالبة للعدالة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد