ألمانيا.. هل سينجح الاندماج؟

وإزاء هذه المشكلة، يرى الكثير من اللاجئين أن سياسات الاندماج يمكن أن تنجح إذا كان واضعوها ينطلقون من فكرة الحلّ للضيف والمضيف معاً، من خلال الاحترام المتبادل والمتضمن في قوانين وبرامج الاندماج.

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/25 الساعة 03:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/25 الساعة 03:06 بتوقيت غرينتش

مر أكثر من عام على أكبر أزمة للاجئين عاشتها أوروبا، وألمانيا بالتحديد، فبالرجوع إلى الإحصائيات المجمعة من قاعدة بيانات التسجيل في المكتب الاتحادي الألماني للهجرة واللجوء، كشفت عن أن نحو 890 ألف شخص تقدموا بطلبات لجوء لألمانيا خلال عام 2015، وأن نحو 321 ألف شخص تقدموا بطلبات لجوء خلال 2016، مع كل هذه الأرقام والأعداد الكبيرة من اللاجئين القادمين من أماكن تسودها الحروب والفوضى يطمح اللاجئون بمستقبل أفضل من حيث التعليم والعمل في ألمانيا.

ومع وجود النقاشات حول اللجوء والاندماج وصدام العادات والثقافات، وقضايا الإرهاب والتطرف، يعيش اللاجئون تبعات حرب قاسية وواقعاً مرعباً يلتهم حواسهم بشكل يومي، ومعتركاً آخر موازياً هو معترك الاغتراب وإشكاليات الثقافة والهوية التي يحملها اللاجئ في حقيبة النزوح بدون تفكير مسبق إلى المجتمع الجديد.

وخلال ذلك تعلو بين الفترة والأخرى في أوساط المجتمعات المستضيفة للاجئين والمهاجرين أصوات تدعو إلى الاندماج، وفي نفس الوقت تحذر من هذا الفرد المتعب بأزماته ومصائبه، بوصفه خطراً على هوية واستقرار أوساط المجتمعات المستضيفة.

وإزاء هذه المشكلة، يرى الكثير من اللاجئين أن سياسات الاندماج يمكن أن تنجح إذا كان واضعوها ينطلقون من فكرة الحلّ للضيف والمضيف معاً، من خلال الاحترام المتبادل والمتضمن في قوانين وبرامج الاندماج.

يحتاج ذلك من اللاجئين الكثير من ضبط الإيقاع والتناول المنفتح للمسألة والأفكار التي تقدم، ومع خوف اللاجئين من تغييب كامل هويتهم، عبر مطالبتها من قِبل المجتمع المضيف بالتغير الجارف وتعلم اللغة واحترام الثقافة والعادات المحلية بأسرع وقت ممكن.

من الضروري النظر إلى مسألة الاندماج بوصفها نظرية لها حدود، وتحتاج وقتاً طويلاً، لا بوصفها إعادة ضبط للاجئين من جديد، وهذا يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن لا يكون هدف الاندماج النهائي تغييب هوية اللاجئ لحماية هوية المستضيف في المقابل، وقطعاً ليس هدفه سحق هويّة ما.

من هنا نرى أن الاندماج هو حالة تفاعل حيّ ومتحرك يأخذ إلى اتجاهات جديدة، وإنْ كانت الحلول تبدأ وبلا شك عبر برامج خلاقة وكثيفة وقوانين لتسهيل عملية الاندماج.

ومن المفارقة اللافتة أن المجتمعات المضيفة تعيش في حالة من الخوف على طابعها وهويّتها من التغيير بالرغم من أنها مستقرة، ويمثل مواطنوها الأغلبية في الحياة اليومية، هذا الخوف من اللاجئين الذين هم في الأصل يعيشون حالة من الشتات، ويعانون فيما يصفونه منفى من أوطانهم؛ إذ يشعر هؤلاء القادمون الجدد من جهتهم بالقلق على ضياع هويتهم وعاداتهم وخصوصيتهم الثقافية؛ حيث إنّهم يعتبرون الآن أقليّة مشتتة.

إنّ هذا القلق والخوف بالتأكيد مفهوم من قِبل بعض الأطراف في المجتمع المضيف، لكن في ظروف عالمنا، يبدو أنّ الكثير من الفوارق آخذة بالاندثار، وأعني الفوارق على مستوى الأفكار بين الأجيال الجديدة.

تسعى الحكومة الألمانية بشكل دائم إلى توظيف القوانين والمشاريع والأفكار الجديدة لتسهيل عملية الاندماج، ففي 14 أبريل/نيسان 2016 توصل زعماء الائتلاف الحاكم في العاصمة الألمانية برلين إلى اتفاق على سلسلة تدابير، ستضمَّن في قانون خاص بالاندماج، تهدف إلى تأمين اندماج اللاجئين، وتحدد حقوقهم وواجباتهم، والقانون الجديد لا يتضمن فقط الحوافز، ولكن أيضاً عدة التزامات، من بينها بدء تعلم اللغة الألمانية في المعاهد ودورات الاندماج في المجال السياسي والثقافي الألماني.

وينص القانون في نقاطه الأساسية على:
1- في حال رفض اللاجئ لإجراءات الاندماج، فإنه يفقد الحصول مستقبلاً، طبقاً لقانون اللجوء، على بعض الخدمات الاجتماعية.
2- يمكن إلزام طالب اللجوء بالسكن في منطقة معينة.
3- إلى الآن كان من حق طالب اللجوء أن يشغل موطن عمل إلا في حال عدم وجود مرشحين ألمان أو أوروبيين لذلك الموطن، هذه المعاملة التفضيلية ستُلغى لمدة ثلاث سنوات، ويمكن مستقبلاً أيضاً تشغيل طالبي اللجوء كعمال مستعارين.

القانون يعد بأشياء جديدة، فالحكومة تريد على سبيل المثال توفير مائة ألف "فرصة عمل" إضافية.
ويرى الكثير من اللاجئين أن الحكومة الألمانية اعتمدت قانوناً يعرقل الاندماج، معتبرين أن هناك نقصاً حاداً في العروض التي يمكن للاجئين الاستفادة منها.

واعتبرت الحكومة أن الأمر الحاسم في الاندماج هو تعلم اللغة الألمانية والحق في الإقامة، وهذا ما يتم رفضه طوال سنوات للاجئين مع التأخير الكبير الذي يحدث لمراجعة طلبات اللجوء، ومن طرف اللاجئين أيضاً يرغب العديد من اللاجئين في الحصول على عمل، بهدف تحقيق الاندماج الاجتماعي، لكن الإجراءات البيروقراطية والعقبات اللغوية وفترات الانتظار الطويلة، تجعل ولوج سوق العمل الألمانية أمراً صعباً بالنسبة لهؤلاء، وهذا دعا بعض المواطنين الألمان للتفكير في بعض التساؤلات، هل يأتي اللاجئون إلى ألمانيا فقط من أجل العيش على حساب المساعدات الاجتماعية التي تقدمها الدولة؟ أم أنهم ينافسون الألمان على فرص العمل المتوافرة في البلد؟ لكن الواقع الذي يعيشه اللاجئون مختلف تماما، فغالباً ما يصاب اللاجئون الذين يبحثون عن عمل بخيبة أمل لعدم تمكنهم من دخول سوق العمل الألمانية، وهناك الكثير من العقبات مثل إشكالية الاعتراف بالشهادات المدرسية التي حصلوا عليها في الوطن، وعدم معرفتهم بالإمكانيات المتاحة في سوق العمل، أو عدم إلمامهم بالوضع القانوني للعمل في البلاد. وأمام هذه المعطيات فقد يكون البحث عن فرصة عمل مشكلة ثانوية؛ ليكون السؤال في النهاية: هل سينجح الاندماج؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد