دروس أمي و7 قروش

في النهاية أنا أعلم أنني والأردنيين سنقدم عيوننا وأرواحنا وما في جيوبنا لوطننا لو اقتضت الضرورة، لكن سنفعل هذا بطيب خاطر وسكوت العروس البكر، حينما تلاحقون الفاسدين، وتلغون بنود السيارات والمكاتب والبدلات والسفريات من خانات الموازنات

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/11 الساعة 02:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/11 الساعة 02:37 بتوقيت غرينتش

أول درس تعلمته من أمي في الاقتصاد بعد أن أستثمر عيديتي معها هو أن لا أستدين، وأني إذا فعلت ذلك أن يكون للاستثمار لا للإنفاق، حتى أستطيع سداد الدين من الأرباح، وإلا فستكون ساعة بسط استهلاكية، تقابلها أيام حرمان عسيرة، ولا أعتقد أن حكوماتنا الرشيدة غافلة عن هذه القاعدة الاقتصادية البسيطة، وإن كانت فأنا أرشح أمي بكل جدية لحقيبة المالية.

عزيزي القارئ.. عند الكلام عن الاقتصاد لا بد من الأرقام، فتحامل على نفسك فهذه قروشنا وقوت العيال وأمهم، نسبة البطالة في الأردن 14,8% عامة، وفي فئة الشباب تحت 29 سنة هي 34,8%، وبالمناسبة فالمتوسط العمري لمجتمعنا هو 22 سنة، أما النمو لإجمالي الناتج المحلي لسنة 2016 هو 2,4%، ولتقريب فداحة مصيبة هذا الرقم الأخير، فدعني أقُل لك إننا نحتاج نسبة نمو تساوي 6% على الأقل سنوياً؛ لنحافظ على تناسب معقول لنسب البطالة، وإن أعلى نمو حقق منذ 5 سنوات هو 3,1% لعام 2014، أما نسبة الدين العام من مجمل الدخل المحلي التي تساوي تقريباً 94% معناها مجازاً أن من كل 100 دينار نمتلكه لا بد أن نسدد 94 ديناراً؛ ليتبقى لنا 6 دنانير لا غير فقط.

ومن وجهة نظر قانونية، فالحد الأعلى للنسبة السابقة هو 70%، والطامة الكبرى هي أن ما نستدينه لا يذهب في الغالب للاستثمار بل فقط لسد العجز في النفقات، ولهذا فإن المديونية في ازدياد وطريقة معالجتها وكبح جماح أرقامها من وجهة نظر حكومية تكون في الضرائب التي تشكل 84% من الواردات الحكومية، وفي رفع الدعم أيضاً، وهذا طبيعي لانعدام الأرباح الكفيلة بواجب السداد؛ لانعدام الاستثمار الجالب لهذه الأرباح، ولسنا هنا بصدد نقد الانبطاح التام أمام سياسات صندوق النقد والبنك الدولي، صاحبَي السلطة المالية علينا المشابهة لسلطة أمي على عيديتي في العشر سنوات الأولى من عمري،

ولا في صدد الحديث عن نماذج اقتصادية التي من الممكن التحول إليها لننقذ أنفسنا وقروشنا مثل النموذج الكينزي (الذي يوجب التدخل الحكومي في الأسعار ودعم المواطن وفرض ضريبة جزئية لا مقطوعة)، والابتعاد عن نموذج فريدمان المدعوم من البنك الدولي (الذي يفرغ الحكومة من كل مهامها، عدا التعليم والخارجية والدفاع وحفظ الأمن، في سبيل خصخصة كاملة ورأسمالية نقية وسوق حرة بالكامل)، ولسنا في صدد التنبيه للضغوط السياسية من خلف البنك الدولي التي قد تعيد عام 1989 وما تلاها من توقيع وادي عربة إلى أذهان الأردنيين.

ولن أرفع ضغطكم وأفقع مرارتي خوفاً مما سيحدث لي ولكم بعد إغلاق باب الإعفاءات الطبية ورحمة بمستشفيات وزارة الصحة المتخمة وأطبائها المتعبين أبداً، لكل ما سبق لن أفتح ملف تقارير ديوان المحاسبة وأمسك آلتي الحاسبة لأحسب لكم كم مليوناً من 460 مليوناً التي يريدها وزير المالية على عجل قد نحصل من محاسبة الفاسدين، أو متابعة ملف الفوسفات والسرقات، وغيرها من جرعات الهم والألم الأردنية المسائية، ولن نحسب أنا وأنتم رواتب وتقاعدات المعالي والسعادة والعطوفة والدولة، ولن نحاول فك طلاسم تسعيرة الوقود، مع أن دولة الرئيس حسب لنا كم تكبدت خزينة الدولة وهي تعفي الأردنيين من تكاليف العلاج.

لكنني على استحياء قد أُشير إلى ميزان صادرات السلع المنخفض 5,6%، أو إلى نسبة مشاركة السياحة في مجمل ناتجنا المحلي وإلى هجرة الاستثمارات، وإلى 42% من القوة العاملة التي توصف بموظف حكومي (مع أن المتوسط العالمي هو 15% فقط)، كانت نتيجة السياسة الأبوية لحكومات سابقة كثيرة، حرمتنا وهم من روح التنافسية والإنتاجية، وحولت حلم الاستقرار إلى وظيفة حكومية، وإن اتسع صدر الحكومة لي وسألتها هل هي حكومة تسيير أعمال تبحث عن حلول مؤقتة لسد دفعات قروض مستحقة أم أنهم يبحثون عن حلول حقيقية مجدية طويلة الأمد لهذه المشكلات كلها؟ وهل وزارة خارجيتنا تقوم بدورها الدبلوماسي في تحصيل الدعم العالمي الذي وعدنا به نتيجة تحملنا لأعباء اللجوء؟

في النهاية أنا أعلم أنني والأردنيين سنقدم عيوننا وأرواحنا وما في جيوبنا لوطننا لو اقتضت الضرورة، لكن سنفعل هذا بطيب خاطر وسكوت العروس البكر، حينما تلاحقون الفاسدين، وتلغون بنود السيارات والمكاتب والبدلات والسفريات من خانات الموازنات، حينما تقدمون حلولاً حقيقية لا فزعات اقتصادية تغزون بها جيوب الناس وموائد أطفالهم.. إذا فعلتم ذلك، فلكم عيديتي كلّ عيديتي عن طيب خاطر.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد