ما حصل في حلب

حروف كُتبت بالدم والكفن، وأناس هائمون في كل الأحياء المحاصرة صرخوا بحثاً عن ملجأ لأطفالهم، جريمتهم الوحيدة أنهم قاوموا وصمدوا ليخبروا كل من هو صامت وواقف على الحياد بأنهم منتظرون نصراً من الله يعلقونه على أسوار المدينة المدمرة، فهناك في حلب تداعت صروح

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/04 الساعة 02:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/04 الساعة 02:24 بتوقيت غرينتش

أطفال دفعوا ثمن الغارات الروسية على حلب، طيور لا تطير طَوَت ريشها واستسلمت للموت؛ ليصبح حصاد الدم أكثر من 5200 طفل، استشهدوا خلال السنوات الماضية؛ لتقف جميع الدول مكتوفة الأيدي تجاههم، أما نحن فليس لدينا ملاذ سوى أن نوثّق الموت بعد العجز عن فعل أي شيء، فالمشاهد هناك كانت تشبه القيامة، لا بل إن القيامة أعظم، وهذه القيامة لن تتوقف إلا بقيامة..قيامة على الصمت على التخاذل، على كل من شارك بهذا الدمار، وليُذق الله ويلات ما جرى ويجري في حلب وباقي المدن السورية المنكوبة لكل من خذلها.

أطفال من المهد إلى اللحد، وأطفال لقوا حتفهم تحت الأنقاض، وأطفال حوصروا ليواجهوا أبشع أنواع القتل والتدمير والوحشية، أطفال فقدوا آباءهم وأمهاتهم، وآخرون يعانون من الصدمات النفسية التي ستترك أثرها لسنوات طويلة، وأطفال كتبوا رسائل إلى العالم الصامت "أوقفوا قتلنا، وفكّوا الحصار عنا".

كلمات تعتصر القلب من بين أبنيةٍ وجدت لإيواء أحلام البسطاء، ولم تبنَ أبداً للصمود في وجه البراميل والصواريخ الهمجية.

قهر بكل الصور والأشكال عندما تشاهد شاباً من أحياء مدينة حلب المحاصرة يمضي في طريقه لدفن روحه التي فارقته، يجرها في عربةٍ ويتمتم متابعاً السير: "دقايق وما نوصل ع القبر بسلام يا أمي".

وأمام هذه المشاهد تقف متسائلاً: لماذا؟ لماذا لم يستطِع كل هذا القتل والدم والدمار بهوله أن يُحدِثَ تغييراً جذرياً في الأحداث؟ لماذا لم يستطِع العالم بأسره رؤية معاناتهم كما ينبغي وكما تستحق؟

عابرون في دقائق فرّوا من الموت المريع نزحوا من الأحياء الشرقية إلى الأحياء الغربية عبر طريق الموت؛ ليدهشك قول قائل: "الحمد لله استطعنا اليوم انتشال أكثر من 45 شهيداً من تحت الأنقاض".

حروف كُتبت بالدم والكفن، وأناس هائمون في كل الأحياء المحاصرة صرخوا بحثاً عن ملجأ لأطفالهم، جريمتهم الوحيدة أنهم قاوموا وصمدوا ليخبروا كل من هو صامت وواقف على الحياد بأنهم منتظرون نصراً من الله يعلقونه على أسوار المدينة المدمرة، فهناك في حلب تداعت صروح، وانقلبت خرائط، وتهدمت مدن، ودُفنت أجيال، وما حدث هناك قصص لا يمكن وصفها بكلمات، فإن ما حدث ما هو إلا تحطم بطيء لقطار يحمل الجميع وسط صمتٍ دولي مطبق.

أطفال قُدر لهم أن يفتحوا عيونهم على الدنيا ليجدوا أنفسهم محاصرين في حلب، لا يعلمون مصيرهم هل سيدفنون تحت الأنقاض؟ أم سيموتون اختناقاً؟ ما أتعسهم! كم مرّة سيموتون؟! والعالم كله مكتوف الأيدي مكموم الشفاه عن موتهم المفجع.

فأن تكون محاصراً في أحياء حلب الشرقية يعني أن تُسعفَ مصاباً بعد قصف جوي، ولا تجد مشفى أو نقاطاً طبية وتقفُ عاجزاً تشاهد موته بين يديك في ظل تدمير المشافي وقصفها، وفقدان المواد الأولية للإسعاف.

أن تكون محاصراً في حلب يعني أن تكون أمام أبنية طابقية سُوّيَت بالأرض بعد القصف، ولا تعرف عدد الضحايا بين الركام، ولا تقدر على انتشال الجرحى والمصابين.

أن تكون محاصراً في حلب يعني أن تنتظر الموت في كل يوم، وعندما تسمع خبر استشهاد أحد سكان الحي تحسده وتقول: "نيالو ارتاح".

أن تكون محاصراً في حلب يعني أن تبحث عن قطعة أرض لتحولها إلى مقبرة، فالحدائق العامة باتت مقابر لدفن الضحايا، ولم تعد هناك أماكن تتسع أو تكفي للموت.

هناك في حلب بين الحطام والدخان؛ حيث لم يبقَ إلا بعض الجدران التي ما زالت صامدة كي تروي ما حدث لنرى أُمَّاً تبحث عن جثث أطفالها، وأباً يحمل جثة ابنه ويصرخ باكياً: "يا يوب كسرت ضهري".

مشاهد تدمي القلب، وأصوات تنخر المسامع، وقصفٌ للبيوت والأبنية والمشافي بحجة أنها تحوي السلاح؛ ليرحل أخيراً أهل حلب المنكوبة عنها بمزيد من الأسى، حاملين معهم تاريخ المدينة الجريحة، وذكريات موجعة، تاركين على تلك الجدران عبارات الوداع لحلب، ووعد خطّوه على بقايا الحطام بأنهم سوف يعودون.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد