"1"
أثار حكم المحكمة الإدارية العليا في مصر الأخير الصادر يوم الاثنين (15-1-2017) بخصوص تبعية تيران وصنافير للإدارة المصرية، الشجون لدى قطاع كبير من أبناء الشعب المصري، واعتبر العديد منهم أن سعي السيسي لإثبات غير ذلك يضعه في وضع الخائن لأرضه ووطنه.
وقالت المحكمة في حيثياتها: إن الإجراء الإداري الذي سمّته الحكومة المصرية في تقرير طعنها اتفاقاً مبدئياً بترسيم الحدود، وما نتج عنه من تنازل عن الجزيرتين، أياً كانت المبررات الدافعة إليه، حال كونهما ضمن الإقليم المصري، مخالف للدستور والقانون.
وقد شهدت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية جدلاً واسعاً في الشارع المصري عقب توقيع هذه الاتفاقية فى 8 أبريل / نيسان 2016، ما بين مؤيدين للاتفاقية ومعارضين لها، حتى صدور حكم الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا "فحص طعون"، برئاسة المستشار أحمد الشاذلي نائب رئيس مجلس الدولة، الذي قضى برفض الطعن المقام من هيئة قضايا الدولة، ممثلة عن رئاسة الجمهورية والحكومة، وتأييد الحكم الصادر من محكمة أول درجة "القضاء الإداري" ببطلان اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية.
وقد أقام المحامي خالد علي، أول دعوى قضائية في 10 أبريل من العام 2016، أمام محكمة القضاء الإداري، تحمل الرقم 43866 لسنة 70 ق، لإلغاء اتفاقية تعيين الحدود، والمطالبة بمصرية الجزيرتين وخضوعهما للسيادة المصرية، وفى 25 أبريل من العام نفسه خرج عشرات المتظاهرين، بوسط البلد في مظاهرة للاحتجاج على توقيع اتفاقية تعيين الحدود، وتم القبض عليهم، وحصلوا جميعاً على أحكام بالبراءة من دوائر الجنح.
وفي يونيو من العام 2016 أصدرت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار يحيى دكرورى، حكماً ببطلان الاتفاقية، كما أيدت المحكمة الاستمرار في تنفيذ حكمها في الاستشكالات المقدمة لذلك، فى حين رفضت أيضاً استشكال الحكومة لوقف تنفيذ الحكم، وعقب صدور حكم بطلان اتفاقية تعيين الحدود، أعلنت هيئة قضايا الدولة ممثلة عن الحكومة الطعن على الحكم؛ حيث رأت أنه صدر مخالفاً للدستور والقانون والسوابق القضائية، وتقدّمت بالطعن، ونظرته المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة.
وفي أكتوبر / تشرين الأول من العام 2016 قضت محكمة الأمور المستعجلة بوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري والقاضي ببطلان اتفاقية تعيين الحدود، وأكدت أن حكم القضاء الإداري باطل؛ لتغوله على اختصاصات السلطة التنفيذية، وأن الاتفاقيات الدولية تقع ضمن الأعمال السيادة التي تنأى عن رقابة القضاء.
والرافضون للاتفاقية، الحاصلون على حكم محكمة القضاء الإداري، طعنوا على حكم الأمور المستعجلة أمام الدرجة الثانية "مستأنف الأمور المستعجلة"، لكن المحكمة رفضت طعنهم في 31 ديسمبر / كانون الأول الماضي، وأيدت حكم أول درجة، وأيدت الاتفاقية.
وعقب صدور حكم محكمة القضاء الإداري لجأت هيئة قضايا الدولة كذلك للمحكمة الدستورية العليا، وأقامت "منازعة تنفيذ" لوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري القاضي ببطلان الاتفاقية، ثم أقامت منازعة أخرى في 6 نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، وتمت إحالتهما لهيئة مفوضي الدستورية لتحضيرهما وإعداد تقرير فيهما.
ومنذ أن تم الإعلان عن الاتفاقية طالب مجلس النواب الحكومة بعرضها عليه إعمالاً للدستور، وفي 29 ديسمبر / كانون الأول 2016، أعلن مجلس الوزراء إحالة الاتفاقية إلى مجلس النواب، وأُثيرت حالة من الجدل بين النواب واختلفوا بين مؤيد ومعارض للاتفاقية.
وأهم ما في هذا الحكم الذي صدر في 60 صفحة، أنه يُعدّ أخطر طعن في شرعية نظام السيسي الذي انقلب على المسار الديمقراطي، وكمم الأفواه، وصادر الحريات العامة، واعتقل معارضيه، وغيّبهم داخل السجون، وقتل المئات منهم بدم بارد، بالإضافة لتدهور الحالة الاقتصادية، جرّاء سياساته الفاشلة في إدارة الدولة. فهل سيتم انقضاء الدعوى، أم سيكون هناك سيناريو آخر بتدخل نواب السيسي؟!
"2"
أصدر عبد الفتاح السيسي المُنقلب قراراً بقانون رقم 8 لسنة 2015، في شأن تنظيم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، وذلك بعد انتهاء قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة من مراجعته وضبط الصياغة وإرساله له لإقراره في 24/2/2015، والسيسي أدخل في هذه القائمة معظم قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وغيرهم ممن لهم دور واضح في الوقوف ضده، وفضح ممارساته، من أساتذة جامعات، وأطباء، ومهندسين، وقضاة، ورجال أعمال، ومحامين، وإعلاميين، ورؤساء أحزاب، و96 امرأة حرة شريفة، حتى بعض المتوفين الذين قتلهم بدم بارد، مثل: الدكتور هشام خفاجي، والمحامي ناصر الحافي.
والغريب أنه لم يُدخل ضمن هذه القائمة من اتهمهم بالإرهاب، فيما سبق، مثل: جماعة أجناد بيت المقدس، أو تنظيم الدولة الإسلامية، أو القاعدة، أو غيرهم!
وبعض السيناريوهات تذهب إلى أن السيسي أراد لفت الأنظار عن قضية تيران وصنافير، فقام بإصدار هذه القائمة، أو بمعنى آخر تحديثها، وإضافة العديد من الأسماء التي يريد أن ينتقم منهم، أو يشوه سمعتهم الناصعة، لمواقفهم المناهضة لسياساته الاستبدادية، مثل: فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، الذي ملأ الدنيا علماً، والكابتن محمد أبو تريكة، الذي امتلك قلوب متابعيه بكل الحب والود، وشهد له العالم كله بحسن أدائه وأخلاقه، والسيدة كاميليا العربي صاحبة التاريخ الناصع، والأعمال الخيرية التي لا تنقطع، والقاضي الجليل محمود الخضيري، الذي وقف ضد الظلم أيام مبارك، ولا يزال صامداً في سجنه، والعديد من الأسماء المشرِّفة، التي يسعد أي إنسان بمعرفتهم، وكان لي شرف وضع اسمي ضمن هذه القائمة، دون أن يكون لي رصيد في البنوك، بالإضافة لاستنكاري الدائم لكل أعمال الإرهاب التي تصدر من الأفراد أو الدولة!
وهذا القانون المشبوه، يعتمد على تعريفات واسعة وفضفاضة للأفعال التي تعتبر الكيان، أو الشخص، إرهابياً، مما سيسهل اعتبار الأحزاب السياسية، والمدافعين عن حقوق الإنسان، أو أي أصوات نقدية مستقلة إرهابيين، وبالتالي تنفرد السلطة القائمة بفرض تفسيرها الخاص، الذي يخدم مصالحها وحدها، وكل هذا يخالف حتى الدستور الذي وضعته في العام 2014!
والتبعات الفورية للضم إلى هذه القائمة، تشمل المنع من السفر، والتحفظ على الأموال، وفقدان الحقوق السياسية، وإلغاء جوازات السفر.
ومن ثمَّ يريد السيسي إرهاب معارضيه، ومطاردتهم في أرزاقهم، وتحركاتهم، ولا أظن أنه سيفلح في ذلك، بل سيزيد هؤلاء إصراراً على موقفهم، وثباتاً في مناهضته.