لم تغادر الطائرات الحربية سماء ريف حلب الغربي منذ مساء الخميس 19 يناير/كانون الثاني حتى صباح الجمعة 20 يناير.
طائرات للتحالف الدولي وطائرات روسية وسورية (بحسب وكالة الأنباء الألمانية) تناوبت على قصف مناطق في ريف حلب الغربي (دارة عزة – الشيخ سليمان – كفرناها – حيان)، أعنف تلك الغارات، التي بحسب مصادر في جبهة النصرة (فتح الشام)، استهدفت معسكراتها في الشيخ سليمان (30 كم شمال غرب حلب)، والتي تسببت في إصابة المئات بين قتيل وجريح (مصادر من جبهة النصرة أكدت أن عدد القتلى تجاوز التسعين، والعدد مرشح للازدياد بسبب كثرة الإصابات الخطرة).
في حين نقلت وسائل إعلام عن مسؤول عسكري أميركي قوله: "إن ضربة جوية أميركية نفذتها قاذفة "بي – 52″ وأسقطت 14 قذيفة استهدفت معسكراً لتنظيم القاعدة في سوريا يوم الخميس قتلت أكثر من 100 من أعضاء التنظيم".
وللشيخ سليمان موقع استراتيجي هام، إضافة إلى طبيعتها الجبلية، التي حوَّلتها لأحد أبرز معاقل جبهة النصرة والحزب الإسلامي التركستاني وحركة نور الدين زنكي.
قبل الغوص في أسباب استنفار الطائرات الحربية في ريف حلب الغربي، من المفيد أن نذكر أن قاعدة الشيخ سليمان تمكنت جبهة النصرة وكتائب المهاجرين، بالاشتراك مع كتيبة نور الدين زنكي (قبل أن تتوسع لاحقاً لتصبح حركة)، وأحرار دارة عزة جند الله وكتيبة عز الإسلام، من السيطرة عليها في ديسمبر/كانون الأول 2012، ومن المفيد أن نذكر بأن القائد العام لمعركة السيطرة على الشيخ سليمان كان أبو طلحة الأوزبكي، وهي كانت تضم مركزاً للبحوث العلمية والفوج 111 ومستودعات للذخيرة، ولعل أهم تلك المستودعات تلك التابعة لكتيبة الدفاع الجوي، ويقع الفوج 46 بالقرب منها.
وللشيخ سليمان موقع استراتيجي هام؛ إذ تعد نقطة تلاقٍ وتماس بين ريفَي حلب وإدلب، ولأهميتها الاستراتيجية، قال الشيخ توفيق شهاب الدين، قائد حركة الزنكي، أثناء حصار الشيخ سليمان في ديسمبر 2012: "عندما تسقط الشيخ سليمان، سيتحرر كل ريف حلب الغربي، وفي غضون 45 يوماً، ستتحرر حلب بدورها".
سبقت الغارات الأميركية الروسية السورية مجموعة من الأحداث قد يفيد ذكرها في محاولة لفهم زحمة الطائرات في سماء ريف حلب.
أولاً: عمل عسكري تركي على عفرين (الكردفوبيا)
شهدت مدينة عفرين، 65 كم شمال غرب حلب التي تقع تحت سيطرة وحدات حماية الشعب، عدة أحداث كلها تعطي إشارة إلى أن المطبخ التركي يحضر لعمل ما على تخوم عفرين:
1- بث إشاعات كبيرة عن حدوث اشتباكات عنيفة بين وحدات الحماية وفصائل المعارضة على محور كلجبرين – عين دقنة، وتصدي فصائل المعارضة لمحاولات وحدات الحماية السيطرة على كلجبرين، بينما حقيقة الوضع أنه لم يحدث شيء جديد على تلك الجبهة، ولم تكن هناك اشتباكات عنيفة ولا محاولات للتسلل، فقط مجرد تبادل عدة طلقات نارية بين الحواجز، وهو عمل روتيني يحدث يومياً منذ عدة شهور.
2- زيارات علنية لمسؤولين أتراك إلى كل من مدينة مارع واعزاز، ووصول تعزيزات عسكرية قادمة من الحدود التركية إلى كلجبرين.
3- بهدف خلق حالة من الفوضى تم نشر شائعات كثيرة عن دخول قوة عسكرية لبيشمركة روح آفا (قوة عسكرية مؤلفة من كرد سوريين تم تدريبها وتسليحها في أربيل عاصمة إقليم كردستان) من الحدود التركية إلى قرى عفرين.
4 – استهداف عدة قرى تابعة لعفرين بعد قذائف (قرية إيسكو القريبة من دارة عزة).
5- قبل ساعات من الغارات كانت الطائرات التركية تقوم بعدة طلعات استطلاعية (استعراضية) في أجواء عفرين.
لذا قد يكون أحد أهداف الغارات الأميركية الحفاظ وضبط خطوط الاشتباك، ومنع أي طرف (المعني هنا التركي) من القيام بخطوات أحادية؛ ليأتي خبر بعد أقل من 24 ساعة من الغارات (نقلاً عن مصادر في غرفة عمليات درع الفرات) عن نية الحكومة التركية تجميد العملية العسكرية على مدينة الباب في حلب "مؤقتاً" في ذات السياق.
ثانياً: خلط الأوراق في ريف حلب الغربي وإدلب
جاءت هذه الغارات عشية التحضيرات الأخيرة لاجتماع أستانا، فبينما كانت المعارضة تعلن عن أسماء المشاركين في الاجتماع لوحظ أن حركة أحرار الشام عمدت إلى اتخاذ نفس الموقف الذي اتخذته إبان تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات في ديسمبر 2015 تحضيراً لجنيف 3، موقف اللاموقف (داعم ولكنه غير مشارك) ببراغماتية سياسية تهدف لحصد المكتسبات إن تحققت ونجح الاجتماع، والنأي بالنفس عن السلبيات والخسائر إن فشل الاجتماع، هذا الموقف أثار غضب جبهة النصرة وترجم على الأرض باشتباكات في ريف اللاذقية اتحاد لاحقاً إلى إدلب مع انضمام جند الأقصى وحركة الزنكي إلى الاشتباكات وتقديمهم الدعم إلى النصرة، ولعل موقف الزنكي يكمن في شعورها بمكيدة تنصب لها، وخصوصاً بعد أن أعلنت الحكومة الأردنية مساء الخميس عن وضع قائد الحركة الشيخ توفيق شهاب الدين على قائمة الإرهاب، ومنعه من دخول الأراضي الأردنية، ومنع التعامل معه.
كل هذه المؤشرات تعطي دلالة على أن إدلب قد تكون الطبق الذي يتصالح عليه الجميع، وهو أحد الأهداف الاستراتيجية لاجتماع الأستانا تشكيل قوة موحدة من الجيش السوري والفصائل المشاركة في اجتماع أستانا وقوات سورية ديمقراطية لمحاربة جبهة النصرة وحلفائها في إدلب.
وفي ذات السياق تأتي الخطوة التي قامت بها وحدات حماية الشعب يوم الجمعة الماضي بإطلاق سراح 74 مقاتلاً (جلهم من إدلب) يتبعون للفصائل المشاركة في حملة درع الفرات تم أسرهم في أوقات متفرقة من العام الماضي، أملاً بأن تساعد هذه الخطوة في تأمين حاضنة شعبية لها في حال شاركت في معركة إدلب الكبرى.
يبقى أخيراً أن نشير إلى تزامن الغارات الأميركية على الشيخ سليمان، والتي وصفت بالأعنف، مع الإعلان عن زيارة قامت بها عضو الكونغرس الأميركي النائبة عن الحزب الديمقراطي تولسي غابارد إلى دمشق وحلب!
يذكر أن غابارد هي عضو في لجنتَي القوات المسلحة والشؤون الخارجية بمجلس النواب، وتجمعها علاقة طيبة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ حيث التقاها عقب إعلان نتائج الانتخابات الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.